يقول الدكتور عبد الرحمن العدوي ، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر:
إن الله ـ تعالى ـ يقول: (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم). فأصحاب الحظ العظيم في الدنيا والآخرة هم الذين يقابلون السيئة بالحسنة، والإساءة بالمغفرة، والقطيعة بالوصال، وهم الصابرون أصحاب المنزلة العالية عند الله.

وفي الحديث الشريف عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رجلاً قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إليَّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليَّ، فقال: ” لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم الملّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك” رواه مسلم، ومعنى تسفهم المل؛ أي تطعمهم الرماد الحار، وهو تشبيه لما يلحقهم من الإثم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم، ولا شيء على هذا المحسن إليهم، بل إن الله ينصره، ويؤيده فيما يفعله من الإحسان إلى قرابته الذين يسيئون إليه ما دام مستمرًا على ذلك.

وإذا كان هذا المقام الكريم، وهذا التأييد من الله لمن يصل قرابته حتى ولو كانوا يسيئون إليه، فإن الحرص على ذلك يدعو المؤمن إلى أن يستمر في الإحسان إليهم، ولا يقسم أو يقرر مقاطعتهم مدى الحياة، حتى لا يحرم من هذا الثواب العظيم، وقد تتغير الأحوال، وتتقارب النفوس، وظروف الأيام متغيرة، فعليه أن يصلهم، ويكفر عن يمينه الذي أقسم به على مقاطعتهم، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من حلف على يمين، ورأى غيرها خيرًا منها، فليأت الذي هو خير، وليكفر عن يمينه”.

وعلى المسلم الراغب في مثوبة الله ورحمته: أن يبحث عن الأسباب التي أدت إلى القطيعة بينه وبين قريبه، ثم يعالج هذه الأسباب بما يعيد الصفاء إلى النفس، ويعيد المودة والأخوّة والمحبة، فيكون بذلك قد أرضى ربه، ووصل رحمه، وأزال أسباب النفور والغضب من نفس القريب.