الخِصام بين الناس مَنهي عنه فوق ثلاث ليالٍ، كما صح في الحديث، وخير المُتخاصمين من يبدأ بالصلح ويبدأ صاحبه بالسلام ، والنهي شديد عن رَفْضِ الاعْتَذَار عن الخِصَام، وجاء في الحديث “من اعتذر إلى أخيه المسلم فلم يقبل عُذْره، لَمْ يَرِدْ عَلَى الْحَوْضِ” رواه الطبراني في الأوسط.

وأشد ما يكون الخِصام سوءًا إذا كان بين الأقارب؛ لأنَّ فيه مَعصية أخرى، هي قطيعة الرَّحِم، وقطيعة الرَّحِم من الذُّنوب الكبيرة، والنصوص فيها كثيرة، ومن أجل هذا ينبغي أن يتحمل المسلم أكثر ما يتحمل إذا كانت المُضايقات من أقاربه، ولا ينبغي أن يقابلهم بمثل إساءتهم خِصامًا وقطيعة، فالحديث في هذه الحالة يُؤَكِّد عدم القطيعة.

ومما ورد في النص على ذلك ما رواه الطبراني وابن حبان في صحيحه عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال: أوصاني خليلي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بِخِصَال، وذكر منها : وأوصاني أن أصل رحمي وإن أَدْبَرت. وما رواه البخاري وغيره “ليس الواصل بالمُكافيء، ولكنَّ الواصل الذي إذا قطعتْ رَحِمه وَصَلَهَا”.

وقد يحسن المسلم إلى أقاربه ويسئون إليه فقد جاء في حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رجلاً قال : يا رسول إن لي قَرَابَةً أَصِلُهُم وَيَقْطَعُوني وَأُحْسِن إِلَيْهِمْ وَيُسِيئونَ إِليَّ، وأَحْلم عليهم ويجهلونَ عليَّ، فقال “إن كنت كما قلت فكأنما تُسفهم المَلَّ، ولا يزال مَعَك من الله ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ ما دُمْتَ على ذلك” رواه مسلم. والمَلُّ هو الرَّمَادُ الحَار، وهو تشبيه ما يلحقهم من الإثم بما يلحق آكل الرَّماد الحار من الألم، ولا شيء على هذا المُحسن إليهم لكن ينالهم إثمٌ عظيم بتقصيرهم في حَقه وإلحاقهم الأذى به.

هكذا شرح النووي معنى الحديث، ونقول لكل من أحسن لأقاربه ويسئون له، استمر على صلةِ رَحِمِكَ على الرغم من مَوْقِفِهِم منك، وادع الله لهم بالهداية، كما دعا الرسول لأهل مكة، ولا تُقَصِّر في حقهم، بل اجعل حَبْلَ الصِّلَة مَمْدودًا ولَوْ بأقلِّ ما يمكن. واقرأ قول الله تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ . وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (سورة فصلت : 34، 35).