معنى قوله تعالى: “ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه”:

اختلف العلماء في معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ” ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه” ، هل هو عام بحيث يشمل أبوي الزوجة أوْ لا؟
فذهب الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أن هذا لا يشمل الأبوين إلا إذا ترتب من دخولهما ضرر عليه.
وذهب الشافعية إلى أن النهي يشمل الأبوين. وحجتهم في ذلك عموم الحديث أولاً، ولأن الأصل تحريم دخول منزل الإنسان حتى يوجد الإذن في ذلك منه، أو ممن أذن له في الإذن في ذلك، فإذا كان الزوج ممنوعاً أن يتصرف في مال زوجته بغير إذنها، ويحرم عليه أن يأخذ مالها بدون إذنها ليصل بهذا المال رحمه، أو يحسن به إلى والديه، وليس له أيضاً أن يسكن في بيتها من لا تأذن هي به.
وهذا مع عظيم حق الزوج على زوجته، فليس لها في المقابل أن تتصرف بالإذن في بيته بدون رضاه، وليس في هذا قطع للرحم، لأنها يمكن أن تذهب هي لزيارتهم، أو تلتقي بهم في منزل أحد إخوانها أو أخواتها.

أقوال العلماء في زيارة والدي الزوجة لها في بيت زوجها:

يقول الشافعية : إنه يستحب للزوج أن يأذن لوالدي زوجته بزيارتها والدخول عليها إذا لم يترتب على ذلك مفسدة وضرر، وذلك من حسن المعاشرة، وتمام الخلق، ومن الإعانة على البر والصلة للرحم، فلا ينبغي للزوج أن يمنع زوجته من الإذن لأبويها وإخوتها بالدخول عليها، وهذه بعض أقوال فقهاء الإسلام في ذلك :

جاء في الفتاوى الهندية على مذهب الحنفية ما نصه:  وإذا أراد الزوج أن يمنع أباها، أو أمها، أو أحداً من أهلها من الدخول عليه في منزله اختلفوا في ذلك؛ قال بعضهم: لا يمنع من الأبوين من الدخول عليها للزيارة في كل جمعة، وإنما يمنعهم من الكينونة عندها، وبه أخذ مشايخنا -رحمهم الله تعالى- وعليه الفتوى. كذا في فتاوى قاضي خان. انتهى  .

 وقال المواق المالكي -رحمه الله- في التاج والإكليل( وله منعها من أكل كثوم لا أبويها وولدها من غيره أن يدخلوا لها )، أما الأبوان فقد سئل مالك عن الرجل يتهم ختنته بإفساد أهله فيريد أن يمنعها عن الدخول عليها، فقال: ينظر في ذلك، فإن كانت متهمة منعت بعض المنع لا كل ذلك، وإن كانت غير متهمة لم تمنع الدخول على ابنتها… قال ابن سلمون: وإن اشتكى ضرر أبويها فإذا كانا صالحين لم يمنعا من زيارتها والدخول عليها، وإن كانا مسيئين واتهمهما بإفسادها زاراها في كل جمعة مرة بأمينة تحضر معهم، وفي العتبية: ليس للرجل أن يمنع زوجه من الخروج لدار أبيها وأخيها ويُقضَى عليه بذلك خلافاً لابن حبيب.

وقال ابن رشد: هذا الخلاف إنما هو للشابة المأمونة، وأما المتجالة فلا خلاف أنه يُقضَى لها بزيارة أبيها وأخيها، وأما الشابة غير المأمونة فلا يقضى لها بالخروج . انتهى .

 وقال المرداوي الحنبلي في الإنصاف: لا يملك الزوج منع أبويها من زيارتها، على الصحيح من المذهب. قال في الفروع، والرعايتين: ولا يملك منعهما من زيارتها في الأصح، وجزم به في الحاوي الصغير. وقيل: له منعهما. قلت: الصواب في ذلك: إن عرف بقرائن الحال أنه يحدث بزيارتهما أو أحدهما له ضرر: فله المنع. وإلا فلا. انتهى. فهذه نصوص المذاهب الثلاثة.

وأما الشافعيةالذين أجازوا للزوج منع أبوي الزوجة من الدخول، فيقول الإمام النووي_ رحمه الله _ في شرح مسلم في معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ” ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه “، والمختار أن معناه ألا يأذنَّ لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم والجلوس في منازلكم، سواء كان المأذون له رجلا أجنبياً أو امرأة أو أحداً من محارم الزوجة.

فالنهي يتناول جميع ذلك، وهذا حكم المسألة عند الفقهاء أنها لا يحل لها أن تأذن لرجل أو امرأة ولا محرم ولا غيره في دخول منزل الزوج إلا من علمت أو ظنت أن الزوج لا يكرهه، لأن الأصل تحريم دخول منزل الإنسان حتى يوجد الإذن في ذلك منه أو ممن أذن له في الإذن في ذلك، أو عرف رضاه باطراد العرف بذلك ونحوه، ومتى حصل الشك في الرضا ولم يترجح شيء ولا وجدت قرينة لا يحل الدخول ولا الإذن.