من دخل المسجد فوجد مكانا في الصف فليقف فيه، فإذا وجد الصف مكتملا فلا حرج أن يقف وحده خلف الصف لسقوط الواجب بالعجز[1].
ذهب جمهور العلماء: الحنفية والمالكية والشافعية إلى أن صلاة المنفرد خلف الصف صحيحة[2]، وكره الحنفية ذلك إذا وجد فرجة في الصف[3]؛ استدلالًا بحديث أنس رضي الله عنه، وفيه: أن جدته مُلَيْكَة دعت رسولَ الله ﷺ لطعام صَنَعَتْه له، فأكل منه، ثم قال: «قُومُوا فَلأُصَلِّ لَكُم». قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسودَّ من طول ما لُبِسَ، فنضحْتُه بماءٍ، فقام رسولُ الله ﷺ، وصففتُ أنا واليتيمُ وراءه، والعجوزُ من ورائنا، فصلَّى لنا رسولُ الله ﷺ ركعتين ثم انصرف[4]. فالمرأة صلت منفردة مع رسول الله ﷺ ولا فرق في هذا بين امرأة ورجل، فإذا أجزأتِ المرأة صلاتها مع الإمام منفردة أجزأ الرجل صلاته مع الإمام منفردًا، كما تجزئها هي صلاتها.
واستدلوا أيضًا بحديث أبي بكرة رضي الله عنه، وفيه: أنه انتهى إلى النبي ﷺ وهو راكع، فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي ﷺ فقال: «زَادَكَ اللهُ حِرْصًا، وَلا تَعُدْ»[5]. فلم يأمره النبي ﷺ بالإعادة.
واستدلوا أيضًا بالقياس على صلاة الإمام منفردًا أمام الصف؛ ولضعف حديث وابصة بن معبد رضي الله عنه، والذي قال فيه: انصرف رسول الله ﷺ ورجلٌ يصلِّي خلفَ القومِ وحدَه، فقال: «أيُّها الْمُصَلِّي وَحْدَهُ! ألَا تَكُونُ وصلتَ صَفًّا فَدَخَلْتَ مَعَهُمْ، أو اجْتَررْتَ رجلًا إِليكَ إِنْ ضَاقَ بِكَ المكانُ، أَعِدْ صَلاتَك؛ فإنَّهُ لَا صَلاةَ لَكَ»[6]. وعلى فرض صحته، فالأمر فيه محمول على الاستحباب؛ جمعًا بينه وبين حديث أبي بكرة المتقدم[7].
وذهب الحنابلة والظاهرية إلى أن مَن صلَّى وحده ركعة كاملة خلف الصف لم تصحَّ صلاته[8]. وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم[9].
والذي نختاره أنك إذا أتيت والصف مكتمل ولم تجد فرجة فيه، فلا حرج عليك أن تصلِّي منفردًا خلف الصف؛ لأن الواجبات تسقط بالعجز كما قرره العلماء، وأما مسألة اجترار شخص من الصف الأول، وإن كان قال به بعض العلماء، إلا أنه ليس صحيحًا؛ وقد كرهه الإمام مالك والأوزاعي، واستقبحه الإمام أحمد وإسحاق[10]؛ ولأن حديث وابصة رضي الله عنه المتقدم حديث ضعيف، ثم الاجترار فيه مفاسدمنها:
– إيجاد فرجة في الصف الأمامي، وحركة المصلِّين.
– ومنها: الإساءة لهذا الشخص، فبدلًا من أن يكون متقدِّمًا يرجع إلى الوراء، وغيرها.
[1]-نقلا عن موقع الإسلام اليوم
[2] – انظر: المبسوط 1/192، المدونة 1/194-195، الأم 8/636 .
[3]-انظر: المبسوط 1/193، بدائع الصنائع 1/146.
[4] – أخرجه البخاري (373)، ومسلم (658).
[5]- أخرجه البخاري (750).
[6] – أخرجه أبو يعلى (1588) 3/162، والطبراني في الكبير 22/145 (394).
[7]- انظر: المبسوط 1/193، بدائع الصنائع 1/146
[8]- انظر: المغني 2/23، المحلى2/372.
[9]-انظر: مجموع الفتاوى 2/325، أعلام الموقعين 2/258.
[10]- انظر: مسائل الكوسج 2/611-613 .