روى أحمد وابن ماجة بسنده عن رسول الله ﷺ أنه رأى رجلاً يصلي خلف الصف، فوقف حتى انصرف الرجل (يعني أتم صلاته) فقال له: ” استقبل صلاتك، فلا صلاة لمنفرد خلف الصف . ومعنى استقبل صلاتك: أعدها.
وروى أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن وابصة بن معبد: أن رسول الله ﷺ رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده، فأمره أن يعيد صلاته.
وفي رواية لأحمد قال: سئل رسول الله ﷺ عن رجل صلى خلف الصفوف وحده فقال: ” يعيد الصلاة .
والحديثان المذكوران، قد صححهما جماعة من الأئمة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية، واستدل بهما طائفة من أئمة السلف على أن صلاة المأموم خلف الصف وحده لا تجوز ولا تصح . وبه قال النخعي والحسن بن صالح وإسحاق وحماد وابن أبي ليلى ووكيع، وهو مذهب إمام السنة أحمد بن حنبل .
أما الأئمة الثلاثة فقالوا: بصحة صلاة المنفرد خلف الصفوف مع الكراهة.
وظاهر الأحاديث يشهد لمذهب أحمد ويؤيده، كما أن حكمة الإسلام في تشريعه وتوجيهه تقويه وتعضده.
فالإسلام يحب الجماعة، ويكره الشذوذ، يحب الاتحاد ويكره الانفراد، يحب النظام ويكره الفوضى . وصلاة الجماعة وسيلة من وسائل الإسلام في تربية أبنائه على هذه المعاني الحية.
ولهذا كان ﷺ يقبل على المأمومين بوجهه قبل أن يكبر، ويقول: ” تراصوا واعتدلوا ” (متفق عليه) . ” سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة ” (متفق عليه)، ” لا تختلفوا فتختلف قلوبكم ” (رواه أحمد وأبو داود والنسائي) ” لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم ” (رواه الجماعة) فظهر بهذه الأحاديث الصحيحة أن الجماعة في الصلاة، مظهر قوي للتطبيق العملي لمبادئ الإسلام الاجتماعية في النظام والتراص والاعتدال واستواء الصفوف، ووحدة الاتجاه، وهي مرآة تعكس المعاني والأفكار التي يتبناها المجتمع المسلم.
ولا عجب بعد هذا إذا أبطل الإسلام صلاة المنفرد خلف الصف، وأمره أن يعيد صلاته، فإنه مظهر من مظاهر الشذوذ عن الجماعة، لأن الدين الذي يقول: ” إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم يأخذ الشاة القاصية والناحية ” (رواه أحمد عن معاذ) ويقول ” يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ إلى النار “. (رواه الترمذي وقال: غريب، والطبراني ورجاله – كما قال الهيثمي – ثقات، وقال ابن حجر . له شواهد كثيرة منها موقوف صحيح).
وهذا كله فيمن صلى خلف الصف وحده بلا عذر . أما إذا كان له عذر بأن جاء والصفوف مكتملة، ولم يجد له فرجة ولا سعة في الصف، فالأظهر أن صلاته حينئذ صحيحة . واستحب بعض العلماء أن يجتذب إليه رجلاً من الصف يقف بجانبه، ويستحب لمن جذبه أن يساعده على ذلك.
وكره ذلك آخرون، حتى قال بعضهم: إن جذب الرجل من الصف ظلم.