اتفق الفقهاء على أن وقت الظهر شرط لصلاة الجمعة ، أما صلاتها وقت الضحى فمختلف فيه ، والواجب في العبادة الاحتياط وإيقاعها على الوجه المُتفَق على مشروعيته دون المُختلف في صحته .

يقول الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق-رحمه الله-: صلاة الجمعة قبل الظهر ، فهِي وإنْ كانت قولًا منسوبًا إلى الإمام أحمد بن حنبل فإن المأثور عن جمهور الصحابة والتابعين ومَن بعدهم مِن جماهير الأئمة – أنهم مُتفقون على أن وقت الظهر شرْط لصلاة الجمعة ، وقد جاء في كتب الحنابلة أنفسهم : “وإذا زالتِ الشمسُ يوم الجمعة ، صعَد الإمام على المِنْبَر .

ووجَّه شُرَّاحهم ذلك : بأن النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – كان يفعله وساقُوا الأحاديث الصحيحة في أنه – عليه السلام – كان يُصلي الجمعة حين تميل الشمس ، وقالوا – في اختيار العمل بمذهب الجمهور وتفضيله – : إن في صلاتها بعد الزوال خروجًا من الخلاف ، فإن علماء الأمة اتَّفقوا على أن ما بعد الزوال وقتٌ للجمعة ، وإنما الخلاف فيما قبله ، أي الواجب في العبادة الاحتياط وإيقاعها على الوجه المُتفَق على مشروعيته دون المُختلف في صحته ، وعلى هذا جرى العمل في جميع الأقطار الإسلامية ، عملًا بقاعدة التيقُّن في صحة العبادة ، وتحقيقًا لمَظهر الوحدة التي يعمل الإسلام عليها في جميع تشريعاته .

ومِن هنا يتبيَّن أن رأي الإمام أحمد بن حنبل في جواز تقديم صلاة الجمعة على الزوال إنما هو مُجرد رأيٍ نظريٍّ ، لم يأخذ صِبْغَةً عمليةً عامَّةً في عهد سابق ولا عهد لاحق ، والمُتتبِّع لآراء الفقهاء في كثير من المسائل يرى أن لكثيرٍ منهم آراء نظرية ، جرى العمل – حتى من أصحابها – على غيرها ، أخذًا بالأحْوط ، وعملاً على الوحدة التي هي من مقاصد الإسلام ، والتي يُحققها رأْيُ الأكثرية .

على أن الإمام أحمد حينما رأى جواز صلاة الجمعة قبل الزوال لم يرده ، ولم يره على هذا النحو من التفريق ، فتُقام في المكان الواحد ، مرة قبل الزوال لطائفة ، ومرة أخرى في المكان نفسه لطائفة ثانية ، وإنما يُريد كالمُتبِع أن جماعةً في مكان ما لو جَمعوا قبل الزوال صَحَّ ، ولو جمعوا بعد الزوال صحَّ ، أما أن يجمع النساء أولاً ثم الرجال ثانيًا أو يجمع بعض الرجال أولاً ، والبعض الآخر ثانيًا ، فهذا لم يقل به الإمام أحمد ولا غيره ما دامت الصلاةُ هي صلاة الجُمعة ، وإذنْ تكون صلاة الجمعة على هذا النحو – من التفريق ، وأداؤها في مكان واحد لأهل مَحِلَّةٍ واحدة في وقتينِ مُختلفتين – تشريعًا بما لم يقل به أحدٌ، وبما لم يأذن به الله ، ويكون انفراد أي بلد بقرارِ صلاة الجمعة وقت الضحى ـ وإنْ وافق في الوقت مذهب الإمام أحمد ـ خروجًا على الإجماع العلْمي والعملِيِّ للمسلمين في سائر الأقطار الإسلامية.