ثبت في البخاري ومسلم وغيرهما أن النبي ـ ﷺ ـ أخبر عن قصة إسرائه ومعراجه، وجاء فيها أن الملائكة شَقَّت صدره وغسلت قلبه وملأته نورًا وحكمة، وجاء في رواية لمسلم أنه ـ ﷺ ـ أخبر عن شَق صدره وهو عند حليمة السعدية عندما كان رضيعًا لها، وفيها أن المَلَك أخرج عَلَقَة من قلبه فرماها وقال : هذا حظُّ الشيطان منك، كما جاءت روايات في غير البخاري ومسلم عن شَّق صدره في مواضع أخرى مثل البعثة، كما رواه أبو نعيم في الدلائل .
والذي يُهمنا أن نبيَّن أن الشَّق ثبت بطريق صحيح، وبلغت رواياته في الإسراء حد التواتر، كما قال ابن حجر، ويهمنا أكثر أن ينتبه المسلمون إلى أمرين، أولهما أن شق صدره ـ عليه الصلاة والسلام ـ ليس عقيدة يُكَفَّر جاحدها، ولكن ما دام قد ثبت بطريق صحيح فالواجب تصديقه ويعصى من يُنكر ذلك .
والذي يُكَذِّب شق صدره في حادث الإسراء لماذا لا يصَدِّق بكل ما جاء في الحديث من أمور أخرى خارقة للعادة ؟ فإما أن يصدق الجميع وإما أن يرفضه، ولا معنى للإيمان ببعضٍ وعدم الإيمان بالبعض الآخر.
وثاني الأمرين أن هذا الشق ليس من صُنْع البشر حتى نُحَكِّم العقل فيه، بل هو من صنع الله على أيدي ملائكته، والله ـ سبحانه ـ على كل شئ قدير، ولا يجوز أبدًا أن نُحَكِّم عقولنا في المعجزات وخوارق العادات ما دامت قد ثبتت بطريق صحيح، فقوانين العادة لا تسري على قُدْرة الله فهو خالقها، وهو يملك تغييرها، وكلُّنا يُؤمن بأن النار لم تحْرِق سيدنا إبراهيم عليه السلام، وكانت عقول الكافرين واثقةً باحتراقه بها، لكن كل ذلك لا يقف أمام قول الله تعالى: ( يا نارُ كوني بردًا وسَلامًا على إبراهيم ) ( الأنبياء : 69 ) .
وإذا كانت الملائكة قد نزعت من قلبه حظَّ الشيطان فإن مما يُؤكده أن الله ـ سبحانه ـ عصمه من تسلُّط الشيطان عليه، كما أخبر هو عن محاولته إفساد صلاته .
نقول لمن يُبادرون بالإنكار أو الشك : اعتقدوا أن قدرة الله فوق الشك والتُّهم، فماذا تقولون في خلْق عيسى من غير أب، وآدم من تراب دون أب ولا أم ؟ نرجو الابتعاد عن هذا الجدل العقيم، وأن نهتم بقضايانا الحاضرة لنثبِتَ جدارتنا بالبقاء وسط المدنيات والتيارات التي تحارب الأديان .