يقول فضيلة الشيخ الشعراوي رحمه الله:-
حين يلجأ الإنسان المؤمن إلى الله تعالى بعد أن يستنفذ كل الأسباب التي منحها سبحانه له ويتجرد من حوله وقوته إلى حول الله تعالى وقوته هنا يستجيب الله سبحانه وتعالى، فقد اقتضت حكمته سبحانه أن يكون دعاء العبد المؤمن مقبولاً، لأنه دعاء مضطر لذلك يجب علينا أن نقف عند الآية القرآنية الكريمة التي يفهمها بعض الناس فهمًا قاصرًا عن معناها، يقول سبحانه: { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} [البقرة: 186].
البعض منا قد يتساءل، لقد دعوت الله فلم يستجب لي، لماذا؟ وقد يشرد ذهن بعض هؤلاء الذين لم يتمكن الإيمان من قلوبهم؛ فيظنون أن الله تعالى قد أخلف وعده، لهؤلاء نقول: أنتم دعوتم الله دون استخدام ما وهبكم سبحانه من إمكانات؛ لذلك كانت دعواتكم من غير اضطرار، لأن الله يستجيب الدعاء ممن استنفذ كل أسباب الدنيا، فتوجه إلى الله تعالى بقلبه وعقله، ومطعمه حلال ومشربه حلال كما أن الدعاء المرجو قبوله لا يضر بصالح قوم آخرين، ثم إن الاستجابة قد تكون فورية في الدنيا وقد تؤجل لآخرة لمصلحة العبد المؤمن فعندما يضعف مثل هذا المؤمن في أي موقف، فإن الله سبحانه يعين هذا الإنسان على تحقيق ما يرجوه.
وهذه المسالة تعلمنا أن الحق سبحانه وتعالى له جند لا يعلمهم إلا هو، يمد بهم المضطر المؤمن الذي استنفد كل الأسباب.
إن خلاق الكون لا يتخلى أبدًا عن عبد مؤمن استنفد كل الأسباب المشروعة؛ لتحقيق هدف في إطار المنهج الإسلامي، لذلك، يطمئن الله عباده المؤمنين، بأن الواحد منهم لا يواجه المتاعب التي فوق قدرته بمفرده، ولكن العبد المؤمن يواجه الحياة كلها مستندًا إلى قوة من آمن به وأخلص في عبادته له، فما دام العبد قد اختص الله بالعبادة أركانًا وبنيانًا، فالمؤكد أن الله يغيث، وينجد العبد الطائع الداعي الذي استنفد قدرته على مواجهة مشاكله.
اعلم أخا الإسلام أن الدعاء بمنزلة السلاح، والسلاح بضاربة لا بحده، فمتى كان السلاح تامًا لا آفة به، والساعد ساعدًا قويًا، والمانع مفقودًا، حصل المطلوب، ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة تخلف التأثير.
فإذا كان الدعاء في نفسه غير صالح، أو الداعي لم يجمع بين قلبه ولسانه في الدعاء، أو كان ثم مانع من الإجابة لم يحصل الأثر، وحتى يكون الدعاء أرجى للقبول يجب على الداعي توقي الآفات التي تمنع ترتيب أثر الدعاء عليه؛ كأن يستعجل العبد ويستبطئ الإجابة، فيستحسر ويدع الدعاء، وهو بمنزلة من بذر بذرًا أو غرس غرسًا فجعل يتعاهده ويسقيه، فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله. أخرج البخاري [6340]، ومسلم [2735/90،91]، أبو داود (3387)، وابن ماجه (3853) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي ﷺ قال: “يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول: دعوت فلم يستجب لي.
وفي صحيح مسلم [2735/92] عنه رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: “لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل”. قيل يا رسول الله: وما الاستعجال؟ قال: “يقول قد دعوت، وقد دعوت فلم أر يستجاب لي، فيستحسر عن ذلك ويدع الدعاء”.
وإذا جمع مع الدعاء حضور القلب وجمعه بكليته على المطلوب وصادف وقتًا في أوقات الإجابة الستة وهي: الثلث الأخير من الليل، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وإدبار الصلوات المكتوبات، وعند قعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تقضى الصلاة من ذلك اليوم، وآخر ساعة بعد العصر. فإذا تخير العبد هذه الاوقات وأزال عنه الآفات وخشع قلبه، وتطهر واستقبل القبلة ورفع يديه ودعا الله، وبدأ بالحمد والثناء عليه سبحانه وصلى على رسول الله ﷺ فإن دعاءه لا يكاد يرد ابدًا، لا سيما إن صادف الأدعية التي أخبر النبي ﷺ أنها مظنة الإجابة أو أنها متضمنة للاسم الأعظم.