فتح مكة كان سنة ثمان هجرية، وقد أشار الله تعالى إليه في قوله : (إنّا فتحْنَا لكَ فَتحًا مُبينًا. لِيغفرَ لكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ ومَا تَأَخَّرَ) [سورة الفتح : 01].
والفتح المذكور في الآية هو صلح الحُديبية في السنة السادسة من الهجرة؛ لأنّه كان مقدِّمة لفتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة، وهو قول كثير من المفسرين.
وقد بشر الله تعالى به رسوله -ﷺ- والمؤمنين في رؤيا رآها ﷺ قبل صلح الحديبية، فلما حدث ما حدث من الصلح ورجوعهم دون دخول مكة، نزل قوله تعالى: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا). [الفتح:27].
قال القرطبي في تفسيره : قال قتادة : كان رسول الله -ﷺ- رأى في المنام أنه يدخل مكة على هذه الصفة، فلما صالح قريشا بالحديبية ارتاب المنافقون حتى قال رسول الله -ﷺ- إنه يدخل مكة، فأنزل الله تعالى : “لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق”. فأعلمهم أنهم سيدخلون في غير ذلك العام، وأن رؤياه -ﷺ- حق. وقيل : إن أبا بكر هو الذي قال : إن المنام لم يكن مؤقتا بوقت، وأنه سيدخل.
وروي أن الرؤيا كانت بالحديبية، وأن رؤيا الأنبياء حق. والرؤيا أحد وجوه الوحي إلى الأنبياء. (انتهى).
فلما فتح الله تعالى مكة ومكن رسوله من كفارها قال لهم : ما تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا : خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم، فقال ﷺ : “اذهبوا فأنتم الطلقاء”، فدخل الناس في دين الله أفواجا، ثم أنزل الله تعالى سورة النصر : (إذا جاء نصر الله والفتح …).