استحب جمهور أهل العلم سجدة الشكر لله تعالى، على حدوث النعمة كشفاء مريض، أو قدوم غائب، أو رزقت بمولود، أو اندفاع النقمة، لما رواه أحمد والحاكم وصححه عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: سجد النبي فأطال السجود ثم رفع رأسه، فقال: “إن جبريل أتاني فبشرني فسجدت لله شكراً” . ولما رواه البيهقي -وأصله في البخاري- عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي بعث عليًا إلى اليمن فذكر الحديث قال: فكتب علي بإسلامهم فلما قرأ رسول الله الكتاب خرَّ ساجداً شكرًا لله تعالى على ذلك. وقال الترمذي إسناده صحيح. وروى عبد الرزاق في مصنفه أن عمر أتاه فتح من قبل اليمامة فسجد، وسجد أبو بكر حينما جاءه خبر قتل مسيلمة الكذاب، وسجد علي رضي الله عنه حين وجد ذا الثدية بين قتلى الخوارج.

وذهب مالك في المشهور عنه إلى أنه يكره ذلك لأن الإنسان لا يخلو من نعمة. ولكن قال بمشروعيتها ابن حبيب واللخمي من المالكية، وعزاها ابن القصار إلى مالك. وأحكام سجود الشكر كأحكام سجود التلاوة من حيث إنَّه تشترط له الطهارة، واستقبال القبلة، وستر العورة، وغير ذلك مما يشترط في صلاة النافلة، وذلك لمن اعتبرها صلاة، ومن لم يرها مثل الصلاة، كشيخ الإسلام ابن تيمية لم يشترط لها تلك الشروط. ولعل هذا الأخير هو الصواب، لأن الله تعالى سماه سجوداً ولم يسمه صلاة، ولأنه لا تشترط الطهارة لقارئ القرآن عن ظهر قلب، وفي منعه من السجود في مواضعه تفويت لأجر عظيم بلا دليل، وسجود الشكر من باب أولى، لأنه ثناء على الله مع تذلل بين يديه، ومن تأمل الأدلة السابقة ومناسباتها تبين أن السجود أعم من الصلاة في حقيقتها الشرعية.

فهذا السجود أو هذه السجدة تكون عند مناسبتها من حدوث نعمة أو زوال نقمة ، وأما اعتياد هذا السجود والمواظبة على سجدة بع كل صلاة أو بعد صلاة بعينها فهو داخل في البدعة ، لأنها استحداث طريقة جديدة في العبادة .