الحج هو الركن الخامس من أركان اللإسلام، وهو اتجاه المسلمين إلى مكة في وقت معين من العام مؤدين شعائر الحج بترتيب وكيفية محددة تُسمى مناسك الحج، والحج فرض عين واجب على كل مسلم عاقل بالغ وقادر؛ فهو أحد أركان الإسلام الأساسية. وللحج واجبات يجب القيام بها منها رمي الجمرات ، فما الحكمة من رمي الجمرات في الحج؟
ما هي قصة رمي الجمرات في الحج؟
وردت أحاديث تدل على أن أّول من رمى الجمار النبي إبراهيم عليه السلام فعن ابن عباس رضي الله عنهما، يرفعه إلى النبي – ﷺ – قال: ((لما أتى إبراهيم خليل الله المناسك عرض له الشيطان عند جمرة العقبة، فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض – أي غاص فيها- ، ثم عرض له عند الجمرة الثانية فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض، ثم عرض له عند الجمرة الثالثة، فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض))، قال ابن عباس رضي الله عنهما: الشيطان ترجمون، وملة أبيكم إبراهيم تتبعون)) ( ابن خزيمة، بنحوه، برقم ٢٩٦٧، والحاكم، ١/ ٤٦٦، وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، على شرط مسلم، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، ١/ ٣٧)
أسباب رمي الجمرات
من الأمور التي تعبدنا الله أمورا تظهر الحكمة في القيام بها إظهار كمال الامتثال والاستسلام إلى الله تعالى، والحكمة فيها طاعة الحكيم الذي أمر بها، ومقصود الشرع بها الابتلاء بالعمل بها، ومنها ما تظهر الحكمة فيه واضحة جلية وذلك مثل وجوب رد المغصوب، ويكثر هذا في حقوق العباد، ومن الأمور التي تعبدنا الله بها أيضا ما يظهر فيها الحكمة وأيضا الابتلاء بالعمل بها وذلك مثل، فرضية الزكاة.
فعلى المسلم طاعة الرسول ﷺ واتباع الشرع وإن لم يعرف الحكمة، فالله أمرنا أن نتبع ما جاء به الرسول ﷺ وأن نتبع كتابه، قال تعالى: اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ [الأعراف:3]، وقال سبحانه: وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ [الأنعام:155]، وقال سبحانه: أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ [النساء:59]، وقال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا [الحشر:7].
مما جاء في هدي الرسول في الحج والعمرة حديث جابر بن عبد الله رضي الله عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: خذوا عني مناسككم. (رَوَاهُ أَحْمَدُ ومُسْلِمٌ والنسائي)
أما الحكمة من رمي الجمرات فزيادة على الابتلاء بالعمل بها فيها أيضا تذكير لما حدث مع نبي الله إبراهيم، وذلك أنه لما أمره الله بذبح ولده وسعى لتنفيذ ذلك اعترضه الشيطان ووسوس له بأن لا يذبح ولده فرماه بسبع حصيات، ثم انطلق فاعترضه أخرى فرماه بسبع ، ثم انطلق فاعترضه ثالثه فرماه وأضجع ولده على جبينه وأجرى السكين على عنقه فلم تقطع، وناداه الله بقوله: ونادينه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا. أي امتثلت ما أمرك الله به وعصيت الشيطان ، وفيها أيضا الاقتداء بفعل النبي ﷺ حيث رمى الرسول في المكان الذي اعترض فيه خليل الله إبراهيم عليه السلام.
ترتيب رمي الجمرات
- يرمي الحاج يوم النحر جمرة العقبة فقط ويبدأ بها حين وصوله منى من مزدلفة ويقطع التلبية ويرميها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة “الله أكبر“.
- في اليوم الأول والثاني من أيام التشريق يرمي الجمرات الثلاث: بدءا بالأولى (الصغرى) بسبع حصيات ويكبر مع كل حصاة ثم يتجه إلى الثانية (الوسطى) ويرميها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ثم يتجه إلى الجمرة الكبرى (العقبة) ويرميها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة.
- في اليوم الثالث من أيام التشريق لمن لم يتعجل بل بقي بمنى وذلك أفضل كما هو فعل النبي – ﷺ – فإنه يرمي الجمرات كما رماها في اليومين السابقين ترتيبا وعددا فيكون مجموع عدد الحصيات للمتأخر سبعين حصاة .
مكان رمي الجمرات
- مكان الجمرة الصغرى: هي أول الجمرات من جهة منى وأقربها إلى مسجد الخيف.
- مكان الجمرة الوسطى: هي التي تقع بعد الجمرة الصغرى وبين الصغرى والوسطى 156 م.
- مكان جمرة العقبة: وسميت بالعقبة لوجود عقبة كانت بجانبها وقد أزيلت في الوقت الحاضر، وهي الجمرة الكبرى وتقع خارج منى من جهة مكة وبينها وبين الوسطى 116 م وقد أقيمت جسور تربط بينها جميعا وجعلت أدوارا متعددة ليتمكن الناس من الرمي بدون ضرر عليهم.
الحكمة من رمي الجمرات في الحج
ذكر الشيخ ابن باز رحمه الله مجموعة من الحكم وراء رمي الجمرات في الحج هي:
- اقتداءً بأبينا إبراهيم الخليل – عليه السلام – حين اعترض له الشيطان في هذه المواقف، وبنبينا محمد – ﷺ – حين شرع ذلك لأمته في حجة الوداع.
- إقامة ذكر الله تعالى: ((إنما جعل الطواف بالبيت، والسّعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله)) [أحمد، ٤٠/ ٤٠٨]
- التقيّد بالعدد سبعة له حكمة عظيمة، وهو التذكر بما شرع الله من هذا العدد: ترمى بسبع حصيات: كالطواف سبعاً، والسعي سبعاً.
- الدين الإسلامي دين امتثال لأمر الله، حتى ولو خفيت الحكمة.
- رمي الجمار يشعر المسلم بالتواضع والخضوع في امتثال الأمر، كما أنه يعوِّد المسلم على النظام والترتيب في المواعيد.
- الاحتفاظ بالحصيات وعدم وضعها في غير موضعها يشعر المسلم بأهمية المحافظة على ما شرع ربه وعدم الإسراف، ووضع الأمور في مواضعها من غير تبذير ولا زيادة.
- الرمي رمز وإشارة إلى عداوة الشيطان.
- غاية في تحقير المرجوم، والمسلم يرجم الجمار لكن الأصل لرجم إبراهيم – عليه السلام – أن رجم الشيطان (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 17/ 310.)
ماذا كان يفعل الرسول ﷺ عند رمي الجمرات؟
عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات يكبر على إثر كل حصاة ثم يتقدم، ثم يسهل فيقوم فيستقبل القبلة، فيقوم طويلًا ويدعو، ويرفع يديه ثم يرمي الوسطى، ثم يأخذ ذات الشمال، فيسهل ويقوم مستقبل القبلة، ثم يدعو، ويرفع يديه، ويقوم طويلًا، ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي ولا يقف عندها، ثم ينصرف فيقول: هكذا رأيت رسول الله ﷺ يفعله. (رواه البخاري).
كم عدد الجمرات التي ترمى في الحج ؟
الجمرات ثلاثة:
1-جمرة العقبة وهي الكبرى التي تلي مكة.
2- والجمرة الوسطى.
3- والجمرة الصغرى التي تلي مسجد الخيف.
ما هو وقت رمي الجمرات الثلاث في الحج ؟
الواجب في يوم النحر هو رمي جمرة العقبة فقط بسبع حصيات، حتى يمكن بعد رميها وحلق الشعر أو تقصيره التحلل من الإحرام ومباشرة ما كان محرمًا إلا قربان النساء.
يدخل وقت الرمي عند الشافعية بمنتصف ليلة العيد، أي قبل الفجر، بدليل ما رواه البيهقي بإسناد صحيح أن النبي -ﷺ- أرسل أم سلمة ليلة النحر، فرمت قبل الفجر ثم أفاضت، وبما رواه أبو داود أيضًا عن عطاء قال: أخبرني مخبر عن أسماء أنها رمت الجمرة، قلت: إنا رمينا الجمرة بليل، قالت: إنا كنا نصنع هذا على عهد رسول الله -ﷺ.
قال جمهور الفقهاء: يدخل وقت رميها بطلوع الفجر، فلا يصح الرمي قبله، إلا لذوي الأعذار، وعليهم يحمل حديث أم سلمة وأسماء، والأفضل أن يكون بعد طلوع الشمس.
أما الجمرات الثلاث فترمى في أيام التشريق، كل منها بسبع حصيات، ويدخل وقت رميها عند زوال الشمس (أي ظهرًا) للحديث الذي رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وقال: حديث حسن، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -ﷺ- رمى الجمار عند زوال الشمس، أو بعد زوال الشمس، وذلك باتفاق العلماء، وأجاز أبو حنيفة الرمي يوم الثالث من أيام التشريق قبل الزوال؛ لحديث ضعيف فيه عن ابن عباس أيضًا: إذا انتفخ النهار من يوم النفر الآخر حل الرمي والصَّدر، والانتفاخ هو الارتفاع، والصدر أي الانصراف من منى.
وهناك رأي لعطاء بن أبي رباح وطاوس بن كيسان بجواز الرمي قبل الزوال في الأيام كلها، ويمكن الأخذ بهذا الرأي عند الحاجة، كشدة الزحام.