لا مانعَ يَمنَعُ من ذكر الرسول ـ ﷺ ـ بألفاظ السيادة في التشهد وغيره امتثالًا لقوله تعالى: (لِتؤمنوا باللهِ ورسولِه وتعزِّروه وتوقِّروه وتسبِّحوه بُكرةً وأصيلًا).
يقول الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق -رحمه الله- :
كان الرسول ـ ﷺ ـ متواضعًا لا يرى إلا جانب العبودية لله ـ سبحانه وتعالى ـ وينأى عن كل ما يمكن أن يظهر فيه بعد ذلك.
فلما سأله الصحابة كيف نصلي عليك قال: قولوا: “اللهم صلِّ على محمَّد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم ، وباركْ على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركتَ على إبراهيم إنك حميد مجيد”.
فلم يذكر اسمه ـ ﷺ ـ بأوصاف السيادة في هذا المجال ولكنّ الرسول ـ ﷺ ـ في مَعرِض الحديث عما أنعَم اللهُ به عليه يقول فيما رواه مسلم وأبو داود عن أبي هريرة قال: “أنا سيدُ ولدِ آدمَ يوم القيامة، وأولُ من يَنشقُّ عنه القبرُ، وأولُ شافع، وأولُ مُشفَّع” ، وفي رواية أخرى: “أنا سيدُ ولدِ آدمَ يوم القيامة ولا فخرَ، وبيدي لواءُ الحمد ولا فخرَ، وما من نبي يومئذ ـ آدمُ فمَن سواه ـ إلا تحت لوائي، وأنا أولُ شافع وأولُ مُشفَّع ولا فخرَ.
فنحن أمام موقفَين:
موقف الوقوف عند حد تعليم الرسول ـ صلى الله عليه والسلام ـ للصحابة، فلا نذكره ـ ﷺ ـ بوصف من أوصاف السيادة.
وموقف الوقوف مع ما يَستحسنه ـ ﷺ ـ من أوصاف السيادة مما تحدَّث ـ صلى الله عليه والسلام ـ عنها في مواطن أُخَرَ.
ويُحمل تركُه هذا الوصفَ في جواب الصحابة على أنه تواضع منه ـ ﷺ ـ حيث ترك ذلك التبجيل والاحترام بذكره بألفاظ السيادة لمن أراد، وهو ما نراه.
والأمر مع ذلك متروك لرغبة المسلم، ولكلٍّ وجهةٌ، وكلتا الوجهتين سليمة لا غبار عليها.
بَقيَ أن نقول:
إن بعض الناس غالَى في ترك ذكره ـ ﷺ ـ بألفاظ السيادة فحرَّم ذلك، ولمَّا لم يجد له مستَندًا من الشرع اخترع من الأحاديث ما يوافق ميوله، ألا هو حديث: (لا تُسيِّدوني في الصلاة) إنه ليس حديثًا، إنه ـ كما يقول السخاوي وغيره من علماء الحديث ـ لا أصل له، وعلى ذلك فلا مانعَ يَمنَعُ من ذكر الرسول ـ ﷺ ـ بألفاظ السيادة في التشهد وغيره امتثالًا لقوله تعالى: (لِتؤمنوا باللهِ ورسولِه وتعزِّروه وتوقِّروه وتسبِّحوه بُكرةً وأصيلًا).
ومما مَغزاه في هذا الموطن أن الرسول ـ ﷺ ـ قال لبعض الصحابة وقد حضر سعدٌ رضي الله عنه: “قوموا لسيدكم” ويقول سيدنا عمر ـ رضي الله عنه ـ فيما رواه البخاري: أبو بكر سيدُنا وأَعتَقَ سيدَنا. يعني بلالًا. وإذا كان بلالٌ سيدَنا وأبو بكر فمِن باب أولى الرسولُ، صلى الله وسلم عليك يا سيدي يا رسول الله.