ذهب جمهور الفقهاء إلى أن للعيد خطبتين مثل خطبة الجمعة، وذهب بعض الفقهاء إلى أن خطبة العيد خطبة واحدة وهذا ما دلت عليه السنة الصحيحة الثابتة عن رسول الله ﷺ، والحديث الذي استند إليه جمهور الفقهاء ضعفه أهل الحديث، وعلى هذا فالأمر فيه سعة، وإن كان الأولى أن تكون خطبة العيد مثل الجمعة فقد جرى على هذا العمل فقهاء الأمة على مر العصور والأيام فلا ينبغي تركه .
يقول فضيلة الدكتور حسام عفانة – أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:
ذهب جمهور أهل العلم من أصحاب المذاهب الأربعة وغيرهم إلى أن الإمام يخطب في العيد خطبتين يجلس بينهما كصلاة الجمعة تماماً.
-قال الإمام الشافعي […أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله عن إبراهيم بن عبد الله عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: السنة أن يخطب الإمام في العيدين خطبتين يفصل بينهما بجلوس]. الأم 1/238.
-وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي شارحاً قول أبي القاسم الخرقي [فإذا سلم خطب بهم خطبتين يجلس بينهما] وجملته أن خطبتي العيدين بعد الصلاة، لا نعلم فيه خلافاً بين المسلمين… إذا ثبت هذا فإن صفة الخطبتين كصفة خطبتي الجمعة،… وروى سعد مؤذن النبي ﷺ أن النبي ﷺ كان يكبر بين أضعاف الخطبة، يكثر التكبير في خطبتي العيدين. رواه ابن ماجه،… ويجلس بين الخطبتين؛ لما روى ابن ماجه بإسناده عن جابر قال: (خرج رسول الله ﷺ يوم فطر أو أضحى، فخطب قائما، ثم قعد قعدة، ثم قام ] المغني 2/285-286.
-وقال الإمام النووي [ فإذا فرغ الإمام من صلاة العيد صعد المنبر وأقبل على الناس بوجهه وسلم وهل يجلس قبل الخطبة؟ وجهان الصحيح المنصوص يجلس كخطبة الجمعة ثم يخطب خطبتين أركانهما كأركانهما في الجمعة ويقوم فيهما ويجلس بينهما كالجمعة ] روضة الطالبين 1/580.
-وقال الكاساني الحنفي: [ وكيفية الخطبة في العيدين كهي في الجمعة فيخطب خطبتين يجلس بينهما جلسة خفيفة… ] بدائع الصنائع 1/619.
-وقال الدردير المالكي عند حديثه عن صلاة العيد [ وندب خطبتان لها كالجمعة أي كخطبتها في الصفة …] الشرح الكبير 1/400
وقد جرى العمل على هذا عند المسلمين منذ عهد النبي ﷺ على أن يخطب الخطيب خطبتين في العيد وهذا ما تناقله أهل العلم قديماً ولا خلاف فيه بين السلف كما بين ذلك الشيخ ابن حزم الظاهري حيث قال [ فإذا سلم الإمام قام فخطب الناس خطبتين يجلس بينهما فإذا أتمهما افترق الناس… كل هذا لاخلاف فيه] المحلى 3/293.
-وقال الصنعاني بعد أن ذكر حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه (كان النبي ﷺ الناس يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى وأول شيء يبدأ به الصلاة ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس على صفوفهم فيعظهم ويأمرهم) متفق عليه، قال الصنعاني [ … وفيه دليل على مشروعية خطبة العيد،وأنها كخطب الجمع أمر ووعظ ،وليس فيه أنها خطبتان كالجمعة وأنه يقعد بينهما ، ولعله لم يثبت ذلك من فعله ﷺ وإنما صنعه الناس قياساً على الجمعة) سبل السلام 2/493.
-وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين [ وقوله (( خطبتين )) هذا ما مشى عليه الفقهاء – رحمهم الله – أن خطبة العيد اثنتان ، لأنه ورد هذا في حديث أخرجه ابن ماجه بإسناد فيه نظر (( أنه كان يخطب خطبتين )) ومن نظر في السنة المتفق عليها في الصحيحين وغيرهما تبين له أن النبي ﷺ لم يخطب إلا خطبة واحدة ، لكنه بعد أن أنهى الخطبة الأولى توجه إلى النساء ووعظهنّ ، فإن جعلنا هذا أصلاً في مشروعية الخطبتين فمحتمل ، مع أنه لا يصح ، لأنه إنما نزل إلى النساء وخطبهنّ لعدم وصول الخطبة إليهنّ وهذا احتمال] الشرح الممتع 5/191-192.
إذا تقرر هذا فيجب أن يعلم أنه لم يثبت في صحيح السنة عن النبي ﷺ أنه خطب خطبتين في صلاة العيد وما ورد في ذلك فضعيف كما قرر ذلك أهل الحديث فمن ذلك ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: خرج رسول الله ﷺ يوم فطر أو أضحى فخطب قائماً ثم قعد قعدة ثم قام ) رواه ابن ماجة والبيهقي في السنن الكبرى وهو ضعيف كما بينه الحافظ ابن حجر العسقلاني في التلخيص الحبير 2/86. وضعّفه البوصيري في الزوائد أيضاً. وضعفه الشيخ الألباني أيضاً.
وما رواه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : أنّ النبي ﷺ صلّى العيد بغير أذان ولا إقامة، وكان يخطب خطبتين قائماً، فيفصل بينهما بجلسة ) رواه البزار وهوضعيف كما بين ذلك العلامة الألباني في تمام المنة في التعليق على فقه السنة ص 348
وعن عبيد الله بن عتبة بن مسعود أنّه قال: (السنة أن يخطب في العيدين بخطبتين يفصل بينهما بجلوس) قال الإمام النووي [ ضعيف غير متصل، ولم يثبت في تكرير الخطبة شيء، والمعتمد فيه القياس على الجمعة” ] خلاصة الأحكام 2/838.
-وقال الشوكاني:[ وعبيد اللَّه بن عبد الله تابعي كما عرفت فلا يكون قوله من السنة دليلاً على أنها سنة النبي ﷺ كما تقرر في الأصول ] نيل الأوطار 3/347
وما قاله الشوكاني غير مسلَّم فإن التابعي إذا قال من السنة كذا فهو يشير إلى سنة النبي ﷺ إلا إذا قيدها بسنة غيره بل إن الشوكاني نفسه بين هذه المسألة حيث قال [ وأما التابعي إذا قال من السنة كذا فله حكم مراسيل التابعين هذا أرجح ما يقال فيه واحتمال كونه مذاهب الصحابة وما كان عليه العمل في عصرهم خلاف الظاهر فإن إطلاق ذلك في مقام الاحتجاج وتبليغه إلى الناس يدل على أنه أراد سنة صاحب الشريعة . قال ابن عبد البر إذا أطلق الصحابي السنة فالمراد به سنة النبي ﷺ وكذلك إذا أطلقه غيره ما لم تضف إلى صاحبها كقولهم « سنة العمرين » ونحو ذلك ] إرشاد الفحول ص 61.
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين :هل للعيد خطبة أم خطبتان فأجاب : المشهور عند الفقهاء أن خطبة العيد اثنتان لحديث ضعيف ورد في هذا لكن في الحديث المتفق على صحته أن النبي ﷺ لم يخطب إلا خطبة واحدة وأرجو أن الأمر في هذا واسع] مجموع فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين 16/248.
وخلاصة الأمر أن الذي يظهر لنا أن في العيد خطبتان وأن هذا من العمل المتوارث وقد عمل به فقهاء الأمة على مر العصور والأيام فلا ينبغي تركه.