يقال إن إبراهيم ـ عليه السلام ـ رَزَقَهُ الله بَعْد سنِّ الشيخوخة بِوَلَدَيْن، هما إسماعيل وإسحاق، وجَعَل النُّبوة في أبناء إسحاق، الذي أنْجَب يَعْقوب وجعل من ذريته أنبياء بني إسرائيل، وكانت النبوة موضع الرَّجاء في تَوَارُثِ الأبناء لها، ومن ذلك قول الله تعالي: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الفَضْلُ المُبِينُ) (سورة النمل:16)، وقوله عن زكريا الذي أعطاه الله يحيى بعد أن بلَغ من الكِبَرِ عِتِيًّا(فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا. يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) (سورة مريم:5-6) فبشَّره الله ( بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) (سورة آل عمران:39)، وشاء الله ألا يُنْجب يحيى، وكان عيسى ـ عليه السلام ـ آخر الأنبياء من وَلَدِ إسحاق، وكانت وِلَادَتُه خَارِقَةً للعادة حيث لم يكن له أب، وقد رفعه الله إليه ولم يتزوج ولم يُنجب، وكان هذا التدبير من الله سبحانه تَمْهيدًا لولادة خاتم الرسل محمد ـ ـ وبعثه الله للعرب استجابة لدعوة إبراهيم ـ عليه السلام ـ حين أَسْكن إسماعيل وأمَّه مكَّة، وعُمِّرت بالعرب، وبَعث فيهم إسماعيل، ولم يَبعث فيهم أحدًا من ولده حتى كان سيدنا محمد ـ .

قال تعالى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (سورة البقرة:127-129)، فَبِرَفْعِ سَيِّدِنَا عيسى انتهَت النُّبوة من فَرْع إسحاق، وبرسالة سيدنا محمد انتقلت النبوة إلى فرع إسماعيل عليه السلام.

وشاء الله أن يَموت أبناء سيدنا محمد في حياته وهم صغار، حتَّى لا يُفتن بهم بعض المُحبِّين، ويظنوا أن النبوة سَيَرِثها أحد أبنائه كما كانت تُورث في بني إسرائيل، ولذلك أكَّدَت النصوص أن الرسالة خُتمت ولا نبيَّ بعده ـ ـ وبهذين الأمرين لم يكن هناك طمع في نبوَّة بعده، وظهر خطأ من تنبَّئوا في حياته وبعد مماته.
والسيدة فاطمة ـ رضي الله عنها ـ هي التي أنجبت من سيدنا علي ـ رضي الله عنه ـ سيِّدَيْ شباب أهل الجنة: الحسن والحسين، ولم يزعم أحدٌ أنهما ادَّعَيَا النبوة أو طَمِعَا فيها، وإذا كان ـ ـ أوْصى بأهل بيته خيرًا في نصوصٍ سُجِّل بعضها في القرآن (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (سورة الشورى: 23)، فإنَّ حب الناس لآل البيت وإن تَغالي بعضهم فيه لكن لم يَقْبل أحد أن يكون منهم نبي، إلى جانب أنَّ ميراث النبوة كان عن طريق الأبناء لا البنات. ولَعَلَّ فيما ذكرته تظهر الحكمة في أن أبناء النبي ـ ـ ماتوا صِغارًا وفي حياته. وأما حديث ” لو عاش إبراهيم لكَان نبيًّا” فهو باطل.