إذا كان الحديث يَنْهِى المسلم عن أن يَهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ، فالمَنْهي عنه هو الهَجْر لأغراض شخصية لا دينية، أما إذا كان هناك غَرَضٌ دِيني من الهَجْر، كسوء السلوك أو خوف الضرر فلا حُرْمة في المقاطعة، وقد صحَّ أن الرسول والصحابة هجروا الذين تخلَّفوا عن غزوة تبوك بغير عُذْر خمسين يومًا حتى تاب الله عليهم، وقد قال الله تعالى ( وقَدْ نُزِّلَ عَلَيْكُمْ فِي الكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا ويُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) (سورة النساء : 140).
وقد هَجَر النبي ـ ﷺ ـ زوجاته شهرًا في حادث التَّخْيير، كما هو معروف، حيث غضب منهن لطَلبِ أمور دُنْيَوية فأمره الله يُخَيِّرَهُنَّ. قال بعض العلماء: تجوز مقاطعة العاصين إن كانت المقاطعة تُفِيد في رجوعهم عن عصيانهم، وأطلق بعضهم جواز المقاطعة، سواء أكان هناك رجاء في استقامتهم أم لا.
قال السفاريني في كتابه ” غذاء الألباب” ج1 ص22 : قال في الآداب الكبرى: يُسَنُّ هَجْر مَنْ جَهَر بالمعاصي الفعلية والقولية والاعتقادية. وقيل يجب إن ارتدع به، وإلا كان مُسْتحَبًّا، وقيل يجب هجْرُه مُطْلقًا إلا من السلام بعد ثلاثة أيام، وقيل: ترك السلام على مَنْ جَهَر بالمعاصي حتى يتوب فرض كفاية، ويُكره لبقيَّة الناس ترْكُه، وظاهر كلام سيدنا الإمام أحمد ـ رضي الله عنه ـ ترك السلام والكلام مطلقًا، وقال القاضي أبو حسين: ظاهر إطلاقه لا فرق بين المُجاهر وغيره في المبتدع والفاسق، فيَنبغي لمن كان مُتَّبِعًا سنن مَن سلف أنَّ كل من جاهر بمعاصي الله لا يعاضِده ولا يساعده ولا يقاعده ولا يسلِّم عَلَيْهِ، بل يهْجُرْهُ.