روى مسلم وغيره عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ ﷺ ـ أنه قال: “لا تصحب الملائكة رُفْقَة فيها كلبٌ ولا جَرَس”، وفي رواية “الجرس مزامير الشيطان”.
يقول النووي في شرح صحيح مسلم: “الجرس بفتح الراء معروف ـ وهو الناقوس ـ وبإسكانها اسم للصوت، فأصل الجرس بالإسكان الصوت الخفي.
أما فقه الحديث ففيه كراهة استصحاب الكلب والجرس في الأسفار، وأن الملائكة لا تصحب رفقة فيها أحدهما، والمراد بالملائكة ملائكة الرحمة والاستغفار لا الحفظة، فإنهم يدخلون في كل بيت ولا يفارقون بني آدم في كل حال؛ لأنهم مأمورون بإحصاء أعمالهم وكتابتها.
وأما الجرس فقيل: سبب مُنافرة الملائكة له أنه شبيه بالنواقيس، أو لأنه من المعاليق المنهي عنها – كالتمائم – وقيل: سببه كراهة صوتها، وتؤيده رواية مزامير الشيطان، وهذا الذي ذكرناه من كراهة الجرس على الإطلاق هو مذهبنا ومذهب مالك وآخرين، وهي كراهة تنزيه.
وقال جماعة من متقدمي علماء الشام: يُكره الجرس الكبير دون الصغير”. انتهى.
وجاء في كتاب ” حياة الحيوان الكبرى للدميري – مادة كلب –” قال الحافظ أبو عمرو بن الصلاح في مناسكه في قوله ـ ﷺ ـ “لا تصحب الملائكة رِفقة فيها كلب ولا جرس” فإن وقع ذلك من جهة غيره ولم يستطع إزالته فليقل: اللهم إني أبرأ إليك مما فعله هؤلاء فلا تحرمني ثمرة صُحبة ملائكتك وبركتهم ومعونتهم أجمعين.
وفي نهاية ابن الأثير ” مادة جرس” أن الجرس هو الجُلْجُل الذي يُعلَّق على الدواب وقيل: إنما كرهه؛ لأنه يدل على أصحابه بصوته، وكان ـ عليه السلام ـ يُحب ألا يَعلم العدوُّ به حتى يأتيَهم فجأة، وقيل غير ذلك.
يدل ذلك على أن صوت الجرس مكروه، وقصَّر بعض العلماء الكراهة على الجرس الكبير، والكراهة كما في الحديث إذا كان الجرس في رُفقة كقافلة مسافرة على الإبل أو الخيل مثلاً وكان الغالب أن نُعلق في رقابها جلاجل ـ أجراس صغيرة ـ والعِلة في الكراهة إما أن التعاليق على الحيوانات كانت عند العرب لمنع الحسد أو العلاج أو دفع المرض كالخرز والتمائم والودع، وقد جاء النهي عنها في الأحاديث لاعتقادهم أنها تؤثِّر بذاتها بعيدًا عن إرادة الله، وإما أن أصوات الأجراس تنبه العدو فيتعرض للقافلة بالنهب أو الحرب مثلاً وإما لغير ذلك. ومن هنا تكون كراهة الجرس في السفر فقط، أو مع تعليقها على الدواب، أما صوت الجرس غير المُعلَّق على الحيوانات، وفي غير السفر، كصوت الساعة الدقاقة في البيوت أو المساجد، وكدق الأجراس لضبط المرور أو العمل أو غير ذلك ـ فهل يُعطى هذا الحكم أو لا؟
البعض قال حُكمه من الكراهة بناء على عموم رواية “الجرس مزامير الشيطان” الشاملة للرفقة وغيرها، وقال البعض: لا كراهة، وبخاصة في الأجراس الصغيرة، كما قال مُتقدمو علماء الشام.
ومهما يكن من شيء فإن الأمر الخِلافي يُعطي الفرصة لاتِّباع أي رأي فيه دون تعصب له ضد غيره، والحكم الشرعي لا يتعدَّى الكراهة التنزيهية التي لا عقوبة فيها، فهو ليس بحرام يُعاقب عليه.