إذا كان الإسلام قد دعى إلى إفشاء السلام لِتَقْوِيَة أواصر المحبَّة بين المسلمين وجَعَل إلقاءه سُنَّة والرَّدَّ عَلَيْه واجبًا، لِمَا فيه من احترام وإكرام للطَّرَفين- فإن هذا التكريمَ والاحترام لا يكون إلا لِمَن هو أهلٌ له من عباد الله الصالحين الملتزمين الواقفين عند حدود الدِّين.

-ولذلك قال العلماء: إن المُبْتدع ومن اقترف ذنبًا عظيمًا كترك الصلاة وعدم شكر الله على نعمته وإضمار الحقد للناس ـ ينبغي ألا يُلقى عليه السلام، كما قاله الإمام البخاري وغيره من العلماء، مُحْتَجِّين بحديث رواه البخاري في قصة كعب بن مالك حين تخلَّف عن غزوة تبوك هو وصاحباه من غير عُذْر، حيث نهى الرسول ـ ـ عن كلامهم. يقول كعب: كنت آتي رسول الله ـ ـ فأُسَلِّم عليه فأقول : هل حرَّك شَفَتَيْه بِرَد السلام أم لا ؟

-قال البخاري: وقال عبد الله بن عمرو: لا تُسلِّموا على شاربي الخمر، ذلك أن مُقاطعتهم من أساليب تغيير المنكر.

-ومِن هذا يُعْلم أن الفَسَقَة لا يَسْتَحِقون أن يُلقى عليهم السلام، فإن بدءوا هم بالتحية وجب الرَّد عليهم، مع إِظْهار الامْتِعاض منهم وعدم البشاشة في وجوههم أو التَّرحيب بهم. وذلك كله إذا لم يَخَفِ الإنسان مفسدة تَلْحَقُه في بَدَنِه أو ماله، أو تَضرُّه في دِينه ودُنياه، عند عدم إلقاء السلام عليه ، كرئيس في عمل يتحكَّم فيمَن تحْت رئاسته ويَخشى بأسه ، أو كفاجر ظالم يَعتمد على قوَّته أو مَنْصِبِه ولا تُمْكن مقاومته ، فإن السلام عليه يكون اضطرارًا .

يقول الإمام أبو بكر ابن العربي: قال العلماء يُسَلِّم ويَنوى أن السلام اسم من أسماء الله تعالى، بمعنى: الله عليكم رقيب.