النشوز هو امتناع الزوجة عن طاعة الزوج ـ في غير معصية ـ وعدم القيام بحقوقه الزوجية ، كأن تمتنع عن معاشرة زوجها مع رغبته دون عذر شرعي، أو تخرج من بيته بدون إذنه، أو تمتنع عن السفر معه إلى بلده التي يقيم فيها، أو إلى مسكنه الجديد المناسب. وهذا النشوز محرم، ويسقط حق الزوجة في النفقة، وسقوط النفقة يبدأ من يوم النشوز الفعلي؛ وإن ثبت بعده بمدة.
يقول الأستاذ الدكتور نصر فريد واصل:
ونود الإشارة إلى أن كلمة ناشِز أو نشوز وردت في قوله تعالى: (واللاتي تَخافونَ نُشوزَهُنَّ فعِظُوهُنَّ واهْجُروهُنَّ في المَضاجعِ واضْرِبوهُنَّ فإنْ أَطَعْنَكُمْ فلا تَبْغُوا عَلَيهِنَّ سبيلًا إنَّ اللهَ كان عليًّا كبيرًا) (النساء: 34) .
وأصل كلمة النُّشوز: الارتفاع، يُقال: مكان ناشز أي مُرتفع، فكأن الزوجة ترتفع عن طاعة الزوج وتتعالى عما أوجبه الله له عليها ولا تتواضع له؛ فلذلك سُمِّيَتْ ناشزًا .
وقد عَرَّفَ العلماء النشوز بأنه خروج المرأة عن طاعة زوجها في الحقوق والواجبات، فكل امرأة أَخَلَّتْ بحقوق الزوج وطاعته اعتُبِرَتْ ناشزًا من وجهة نظر الشريعة الإسلامية، والنشوز حرام ويَستوجب اللعنة من الله ـ سبحانه وتعالى ـ لقوله ﷺ: “أيُّما امرأةٍ باتَتْ وزوجُها غاضبٌ عليها لَعَنَتْها الملائكةُ حتى تُصْبِح “.
ومن المقرر في الشريعة الإسلامية أن النفقة تُستَحق للمرأة إذا توافر سببها وهو الزواج لقوله ﷺ: “اتقوا اللهَ في النساء فإنكم أَخَذْتُموهنَّ بأمانة الله واسْتَحْلَلْتُمْ فُروجَهنَّ بكلمة الله، لهنَّ عليكم رزقُهنَّ وكسوتُهنَّ بالمعروف .
مع توافر شرطها أيضًا وهو الاحتباس، أو الاستعداد له وهو الطاعة، فإذا سلَّمت المرأة نفسها إلى زوجها وتمكن من الاستمتاع بها، ونقلها إلى حيث يريد، وكانا من أهل الاستمتاع في نكاح صحيح ـ وجبت لها النفقة .
فإذا فَوَّتَت المرأة على الرجل حقَّ الاحتباس الشرعيّ بغير حق فلا نفقة لها، وتُعَدُّ ناشزًا، ومن النشوز الامتناع عن الانتقال إلى منزل الزوجية بغير سبب شرعيّ، وقد دعاها إليه وقد أَعَدَّه إعدادًا كاملًا يَليق به، وكذلك إذا خرجت من منزله بغير إذنه، واستمرت ناشزة مدة طالت أو قَصُرت فإنه لا نفقةَ لها في هذه المدة .
فقد جاء في المُغْني لابن قُدامة (9 / 295): فمتى امتنعَتْ عن فراشه، أو خرَجَت من منزله بغير إذنه، أو امتنَعَت من الانتقال معه إلى مسكن مثلها، أو من السفر معه، فلا نفقة لها ولا سُكْنى في قول عامة أهل العلم، منهم الشعبيّ وحماد ومالك والأوزاعيّ والشافعيّ وأصحاب الرأي وأبو ثور، وقال الحَكَم: لها النفقة، وقال ابن المنذر: لا أعلم أحدًا خالف هؤلاء إلا الحكم .
فإذا رفعت المرأة للقاضي تطالب بنفقتها فلابد أن تُثْبِتَ السبب والشرط، فإن قال الزوج: إنها ناشز؛ كان عليها أن تُثْبِتَ أنها تعيش معه، وأنها مُحْتبِسة عليه، أو أنها خارجة عن بيته بسبب شرعيّ ، وعليها أيضًا أن تُثْبِتَ الزوجية والطاعة، بمعنى أن عليها أن تُثْبِتَ السبب وهو الزواج، والشرط وهو الاحتباس أو الاستعداد له .
وعمل بعض القضاة الشرعيين على أنها لا تُثْبِت إلا الزواجَ إنْ أنكره، فإن دفَع بالنشوز لا يُسمَع دفعه، إلا إذا كان قد حُكِمَ له بالطاعة ولم تُنَفِّذ الحكم، وعملهم هذا خطأ .
يقول الإمام محمد أبو زهرة في كتابه الأحوال الشخصية ص 233: وهذا المنهاج لا يتفق مع الفقه والمصلحة؛ أما عن عدم اتفاقه مع الفقه؛ فلأن شرط الاستحقاق للنفقة هو الطاعة، فالطاعة جزء من دعواها، لابد أن تُثْبِتَ أن خروجَها من المنزل بحق شرعيّ، ويكون حينئذٍ الدفع بالنشوز واجب النظر في دعوى النفقة، وأما أن مسلك القضاء لا مصلحة فيه؛ فلأنه أدى إلى فصل حكم النفقة عن حكم الطاعة .
وعلى ذلك : فإن تفويت المرأة على الرجل حقَّ الاحتباس، أو الاستعداد له بغير حق شرعيّ، يُعَدُّ نشوزًا يُسْقِطُ نفقتَها الواجبة لها شرعًا على الزوج من تاريخ تفويت حق الاحتباس الكامل لحق زوجها، وامتناعها عنه من الناحية الفعلية ، وليس من تاريخ التحقق من هذا الامتناع ، وذلك لأن النفقة في مقابل حق الاحتباس الكامل لقوله تعالى: (الرجالُ قَوَّامونَ على النساءِ بما فَضَّلَ اللهُ بعضَهم على بعضٍ وبما أنْفَقوا مِن أموالِهم فالصالحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ للغيبِ بما حَفِظَ اللهُ واللاتي تَخافونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ واهْجُروهُنَّ في المضاجعِ واضْرِبُوهُنَّ فإنْ أَطَعْنَكُمْ فلا تَبْغُوا عَلَيهِنَّ سبيلًا) (النساء: 34) وقوله تعالى:(أسْكِنوهُنَّ مِن حيثُ سَكَنْتُمْ مِن وُجْدِكُمْ ولا تُضَارُّوهُنَّ لتُضَيِّقوا عَلَيهِنَّ) (الطلاق: 6) وقوله تعالى: (ليُنْفِقْ ذو سَعَةٍ مِن سَعَتِه ومَن قُدِرَ عليه رزقُه فليُنْفِقْ مما آتاه الله) (الطلاق: 7) .
ولقول الرسول ﷺ: “اتقوا اللهَ في النساء؛ فإنكم أخَذْتموهنَّ بأمانة الله، واسْتَحْللتم فروجَهنَّ بكلمة الله، لهنَّ عليكم رزقُهنَّ وكسوتُهنَّ بالمعروف “.
ولأن من المقرر شرعًا أن العقد شريعة المُتعاقدين، والحقوق متقابلة في العقد، وكل حق يقابله واجب، فإذا أخلَّ أحدُ الطرفين بما عليه من واجب سقط ما له من حق يقابله .
ولأن اعتبار النفقة من تاريخ التحقيق من هذا الامتناع قد يؤدي إلى تحايل في إطالة أمد الخصومة بما يؤدي إلى الإضرار بأحد الطرفين، والضرر يجب رَفْعُه شرعًا لقوله ﷺ: “لا ضَرَرَ ولا ضِرار “.