أول ما سمعناه عن العدسات اللاصقة أنها بدل العدسات الموجودة في المنظار (النظارة) يستغني بها عن الإطارات “الشنابر” التي تؤثر على بعض مواضع في الوجه، وقد تقع أو تضيع فتكون الحيرة عند من يعتادها.
وفي أول استعمال العدسات اللاصقة كانت تحتاج إلى إجراءات في تركيبها وقد تحدث مضايقات للعين كجسم غريب ليس من جنسها، وحاول المختصون تسهيل هذه الإجراءات والتقليل من المضايقات وكان استعمالها أولاً لإصلاح النظر الطويل أو القصير، ولم يعلق عليها الناس بمدح ولا ذم كما لا يعلقون على “النظارة العادية”.
ولكن جاء التعليق عليها عندما روعي فيها ناحية الجمال فاختيرت لها ألوان لتبدو العين في شكل جذاب يلفت النظر ويزيد من عدد المعجبين بالعيون الخضراء التي لا يفرق الناظر إليها بين ما هو طبيعي وبين ما هو صناعي، فما هو موقف الدين من الإقبال على هذه العدسات اللاصقة ذات الألوان الجذابة؟
فإذا استعمل الرجل العدسات اللاصقة إنما يستعملها لإصلاح نظره، وهو استعمال طبي يعالج به –كما قلنا- قصر النظر أو طوله، وهذا أمر مستساغ ومشروع، مثله مثل “النظارة العادية” وكذلك المرأة إذا استعملها طبيا فلا غبار عليها شرعًا وعرفا.
ولكن إذا استعملت للزينة ولفت الأنظار، فإن لهذا القصد دخلا في تكييف الحكم عليها، مثلها مثل النظارات العادية قد تختار لها “شنابر” غالية وترصع ببعض الفصوص البراقة مع سلك ذهبي أو من معدن ثمين، وقد يكون أكثر من ذلك مما يتفنن فيه ذوو الخبرة الفاهمون لطبيعة الإنسان في علاقته بالمجتمع.
فإذا كان القصد مباهاة وفخرًا، أو جذبًا لأنظار الجنس الآخر كان ذلك ممنوعًا شرعًا دون خلاف في ذلك، والعدسات اللاصقة التي يختار لها اللون الأخضر تحرص عليها الفتيات بالذات، وهنا يدخل عامل النية والقصد في الحكم، فإن كانت النية الفتنة والإغراء، أو كانت النية التدليس والتغرير فلا شك في حرمتها، مثلها في ذلك الأصباغ التي تلون بها وجهها والأهداب الصناعية والأظافر الملونة والعطور النفاذة وما يماثل ذلك.
والإسلام قد نهي عن التدليس والتغرير الذي يخفي الحقيقة ويخدع الناظر. ففي الحديث “من غشنا فليس منا” ونهى المرأة بالذات عن أن تبدي مفاتنها بأية صورة من الصور، وذلك لغير زوجها، مع التحفظ فيها لأقاربها ومحارمها، كما نهاها عن الخضوع بالقول الذي يوقظ الغرائز ويلهب المشاعر(فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) [سورة الأحزاب:32] ونهاها عن التعطر ليعجب بها من تمر عليهم، والحديث يقول في ذلك “أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية” رواه أبو داود والترمذي وقال الترمذي: حسن صحيح وانظروا إلى كلمة “ليجدوا ريحها” لنعرف أن مناط الحكم في التعطر أمام الأجانب هو قصد الإعجاب بها بشد أنوفهم إليها وبالتالي شد ما تريده من سوء، والقرآن الكريم قد ذكر المنطلق الذي تحرم به كل المغريات وهو قصد إبراز ما خفي من زينتها إلى جانب ما ظهر منها، فقال:(ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن) [سورة النور:31].
يتلخص من كل ذلك أن الإسلام يريد أن ينظم العلاقة بين الجنسين، ويجعلها في حَيّزٍ ينتج الخير والمصلحة للطرفين، فالغريزة الجنسية من أقوى الغرائز –إن لم تكن أقواها- تأثيرًا على سلوك الإنسان، والعدسات اللاصقة الملونة ومثلها كل زينة مثل النظارات العادية أو في غيرها، إن أريد بها العلاج فقط فلا ضرر فيها، وإن أريد بها الإغراء والفتنة أو التدليس والتغرير فهي محرمة، وإذا كانت المرأة تحرص عليها حرصها على كل زينة لافتة للنظر فإن الرجل لا يليق به أن يهبط إلى هذا المستوى، فالله قد لعن تشبه أحد الجنسين فيما هو من خصائص الجنس الآخر، ونقول للجنسين: نحن الآن في وضع اقتصادي واجتماعي يدعونا إلى الجد والانصراف إلى العمل المنتج ووضع كل شيء في موضعه اللائق به، والضرورات الملحة تشجب إهمالها وتشجب الانصراف عنها إلى العبث والإغراق في المتع والكماليات.