إذا صادر ولي الأمر أموال بعض الرعية بناء على تأويلات يمكن قبولها ، مثل أخذها بنية التأديب والتعزير ،جاز للمسلمين أن يشتروا من هذه الأشياء المصادرة ، حتى وإن كانوا لا يرون جواز المصادرة ، لأنهم يدفعون قيمة ما يشترون ، وهذا ما عليهم ، حتى لو كانت هذه الأموال قد أخذت ظلما، وولي الأمر حسابه على الله ،إن كان قد ظلمهم ، ومعروف أن كثيرا من الناس لا يصلحهم إلا التعزير بالمال ، وقد أجاز بعض العلماء التعزير بالمال .
وحتى الأموال المصادرة ظلما من قبل الحكومة فإنها تختلط بغيرها من الأموال المأخوذة على وجه مشروع، والشراء من هذه الأموال المختلطة جائز.
جاء في فتاوى ابن تيمية:-
من اعتقد أن لولاة الأمر فيما فعلوه تأويلا سائغا جاز أن يشتري ما قبضوه ، وإن كان هو لا يجوز ما فعلوه، مثل أن يقبض ولي الأمر من الزكاة قيمتها فيشتري منها ، ومثل أن يصادر بعض العمال مصادرة يعتقد جوازها ، أو مثل أن يرى الجهاد وجب على الناس بأموالهم وأن ما أخذوه من الوظائف هو من المال الذي يجوز أخذه ، وصرفه في الجهاد ، وغير ذلك من التأويلات التي قد تكون خطأ ولكنها مما قد ساغ فيه الاجتهاد.
فإذا كان قبض ولي الأمر المال على هذا الوجه جاز شراؤه منه وجاز شراؤه من نائبه الذي أمره أن يقبضه ، وإن كان المشتري لا يسوغ قبضه ، والمشتري لم يظلم صاحبه فإنه اشتراه بماله ممن قبضه قبضا يعتقد جوازه.
وإن كان على هذا الوجه فشراؤه حلال في أصح القولين ; وليس من الشبهات ; فإنه إذا جاز أن يشتري من الكفار ما قبضوا بعقود يعتقدون جوازها – وإن كانت محرمة في دين المسلمين – فلأن يجوز أن يشتري من المسلم ما قبضه بعقد يعتقد جوازه – وإن كنا نراه محرما – بطريق الأولى والأحرى; فإن الكافر تأويله المخالف لدين الإسلام باطل قطعا بخلاف تأويل المسلم.
ولهذا إذا أسلموا وتحاكموا إلينا وقد قبضوا أموالا بعقود يعتقدون جوازها : كالربا وثمن الخمر والخنزير لم تحرم عليهم تلك الأموال . كما لا تحرم معاملتهم فيها قبل الإسلام ; لقوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) {البقرة: 278} . ولم يحرم ما قبضوه.
وهكذا من كان قد عامل معاملات ربوية يعتقد جوازها ثم تبين له أنها لا تجوز وكانت من المعاملات التي تنازع فيها المسلمون فإنه لا يحرم عليه ما قبضه بتلك المعاملة على الصحيح.
ُثم إن ما قبضه الملوك ظلما محضا: إذا اختلط بمال بيت المال وتعذر رده إلى صاحبه فإنه يصرف في مصالح المسلمين ; فإن المجهول كالمعدوم فما عرف أنه قبض ظلما ولم يعرف صاحبه : صرف في المصالح وما قبض من بيت المال المختلط حلاله بحرامه لم يحكم بأنه حرام ; فإن الاختلاط إذا لم يتميز المال يجري مجرى الإتلاف وصاحبه يستحق عوضه من بيت المال . فمن قبض ثمن مبيع من مال بيت المال المختلط جاز له ذلك في أصح الأقوال.-
والله أعلم.