مذهب الجمهور حرمة أكل الحشرات والهوام، ومنها الثعابين، لأنها من الخبائث، واستثنوا السمك والجراد، وكذا الضب عند غير الحنفية، واستثنى الشافعية القنفد وابن عرس (وهو حيوان كالفأر مستطيل الجسم يفتك بالدجاج وغيره من الطيور، ويقال له: السرعوب)، وأم حبين (وهي حيوان صغير كالحِرْباء، عظيمة البطن) واستثنى الحنابلة اليربوع (كالفأر الصغير له ذيل طويل ينتهي بقصة من الشعر، قصير اليدين طويل الرجلين)، والوبر (وهو حيوان من ذوات الحوافر، يشبه الأرنب يميل إلى السواد، قصير الذيل) .
ولكن أكثر المالكية يرون جواز أكل الحية إن أمن سمها، إلا أن يكون بالآكل مرض ينفعه ذلك فيجوز له أكلها بسمها.
فالأولى عدم أكل الثعابين إلا عند الحاجة وأمن ضررها، ومن احتاج إلى أكلها وأمن ضررها فعليه أن يذبحها.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
للفقهاء في أكل الحشرات اتجاهان : الاتجاه الأول : هو حرمة أكل جميع الحشرات، لاستخباثها ونفور الطباع السليمة منها، وفي التنزيل في صفة النبي ﷺ : (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ) الأعراف 157 . وهذا مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة . واستثنوا من ذلك الجراد فإنه مما أجمعت الأمة على حل أكله، لقول النبي ﷺ : (أحلت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان : فالحوت والجراد، وأما الدمان: فالكبد والطحال) وزاد الشافعية والحنابلة الضب، وذهب الحنفية إلى حرمته. وقد استثنى الحنابلة أيضا اليربوع والوبر فقالوا : بإباحة أكلهما، وزاد الشافعية عليهما أم حبين، والقنفذ، وبنت عرس فيباح أكلها .
الاتجاه الثاني :حل جميع أصناف الحشرات، وهو مذهب المالكية، وهو في الأصل إحدى الروايتين فيه، ثم انعقد المذهب عليها: أنه يؤكل جميع الحيوان من الفيل إلى النمل والدود، وما بين ذلك إلا الخنزير فهو محرم بالإجماع .
وقد ذهب بعض المالكية إلى حرمة الحشرات والهوام، ومنها الثعابين، ولعلهم أخذوا بالرواية الأخرى في المذهب. ثم إن القول بحل جميع الحشرات ليس على إطلاقه، فإنهم قد اختلفوا في بعضها كالفأرة.
وجواز أكل الحية عند المالكية مقيد بأن يؤمن سمها، إلا أن يكون بالآكل مرض ينفعه ذلك فيجوز له أكلها بسمها. وقال ابن حبيب: يكره أكلها لغير ضرورة .( انتهى مختصرا ).
وفي “المهذب” للشيرازي :
ولا يحل أكل حشرات الأرض كالحيات والعقارب والفأر والخنافس والعظاء والصراصير والعناكب والوزغ وسام أبرص والجعلان والديدان وبنات وردان وحمار قبان لقوله تعالى : (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ).
وقال الإمام النووي في “شرح المهذب “:
مذهبنا في حشرات الأرض كالحيات والعقارب والجعلان وبنات وردان والفأرة ونحوها أنها حرام, وبه قال أبو حنيفة وأحمد وداود, وقال مالك : حلال لقوله تعالى : (قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ( الأنعام 145 وبحديث التَلِب الصحابي رضي الله عنه قال : صحبت النبي ﷺ فلم أسمع لحشرة الأرض تحريما رواه أبو داود .
واحتج الشافعي وأصحابه بقوله تعالى : ( وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ) وهذا مما يستخبثه العرب وبقوله ﷺ: ( خمس من الدواب كلهن فاسق , يقتلن في الحرم : الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور ) رواه البخاري ومسلم من رواية عائشة وحفصة وابن عمر. وعن أم شريك ( أن النبي ﷺ أمر بقتل الأوزاغ ) رواه البخاري ومسلم, وأما قوله تعالى: ( قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما )الآية. فقال الشافعي وغيره من العلماء: معناها مما كنتم تأكلون وتستطيبون , قال الشافعي: وهذا أولى معاني الآية استدلالا بالسنة والله أعلم. وأما حديث التلب فإن ثبت لم يكن فيه دليل, لأن قوله لم أسمع لا يدل على عدم سماع غيره.
وفي كتاب “أحكام القرآن” للجصاص:
واختلف في هوام الأرض, فكره أصحابنا ـ الشافعية ـ أكل هوام الأرض كاليربوع والقنفذ والفأر والعقارب وجميع هوام الأرض. وقال ابن أبي ليلى ـ من المالكية ـ : لا بأس بأكل الحية إذا ذكيت, وهو قول مالك والأوزاعي إلا أنه لم يشترط منه الذكاة.
وقد ثبت عن النبي ﷺ أخبار مستفيضة رواها ابن عباس وابن عمر وأبو سعيد وعائشة وغيرهم (أنه قال: يقتل المحرم في الحل والحرام الحدأة والغراب والفأرة والعقرب)وفي بعض الأخبار: ( والحية ), ففي أمره بقتلهن دلالة على تحريم أكلهن; لأنها لو كانت مما تؤكل لأمر بالتوصل إلى ذكاتها فيما تتأتى فيه الذكاة منها, فلما أمر بقتلها والقتل إنما يكون لا على وجه الذكاة ثبت أنها غير مأكولة, ولما ثبت ذلك في الغراب والحدأة كان سائر ما يأكل الجيف مثلها, ودل على أن ما كان من حشرات الأرض فهو محرم كالعقرب والحية, وكذلك اليربوع لأنه جنس من الفأر.