يقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا –رحمه الله-:
اللام في قوله تعالى : “وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون” للغاية حتمًا ، والآية حاكية عن طبيعة النوع الإنساني ، وشارحة لترقيه في الشعور الديني الذي أُلهمه بالفطرة ، وتاريخ الإنسان يؤيد معناها ويقاس به النوع الذي سماه الله بالجن ؛ لأنه مجتن ومستتر عنا.
والشعور الفطري الذي أودعه الإنسان هو أن في الوجود سلطة وراء الطبيعة يخضع لها ويعظمها وينيط بها كل حادث لم يقف على سببه ، وهذا الخضوع والتعظيم هو العبادة ، وقد كان في أطوار الجهالة يضيف ما لا يعرف سببه إلى مظهره ، ويخضع لذلك المظهر.
هذا النوع من الخضوع الذي قلنا إنه يسمى عبادة ، فعبد السحاب لأنه مظهر البرق والرعد والمطر ، وعبد الثعابين لأن لها قوة في الإعدام لم يكن يعرفها ، وعبد بعض البشر لأنه ظهر على أيديهم أعمال غريبة لم يقف على عللها وأسبابها.
وكان يرتقي في مجموعه في هذه الاعتقادات تدريجًا ، وغاية ما ينتهي إليه بعد كمال العلم والمعرفة أن يعتقد أن مظاهر الأفعال الخارقة في نظره أو بالنسبة له ولغيره هي كمظاهر الأفعال العادية مسخرة لقوة غيبية مطلقة عرفت بآثارها لا بذاتها ، وأن صاحب تلك القوة هو الله تعالى الذي لا يستحق العبادة غيره فيعبده حينئذ وحده.