-روى البخاري ومسلم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: “خير القُرون قَرني ثُمَّ الذين يلُونَهم ثم الذين يلُونَهم.

-وروى مسلم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال “بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطُوبَى للغُرباء.

-وروى مسلم أيضًا حديث “عبادة في الهَرْج كهجرة إليَّ”.

-وصحّ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: “لا تزال طائفة من أمّتي ظاهرين على الحقِّ إلى يوم القِيامة“.

-وروى مسلم أنه ـ عليه الصلاة والسلام خرج إلى المَقبرة فقال: “السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنّا إن شاء الله بِكم لاحقون، ودِدْتُ أن رأيت إخواننا” قالوا: يا رسول الله ألسنا بإخوانِك؟ فقال: “بل أنتم أصحابي وإخواننا الذينَ لم يأتوا بعد وأنا فَرَطُهم على الحوض” تفسير القرطبي ج 18 ص 32″ وروى ابن ماجه والترمذي وقال حسن غريب ـ أي رواه واحد فقط أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال في ضمن حديث “فإنّ من ورائكم أيامًا، الصّبر فيهن مثل القَبْض على الجَمر، للعامل فيهنَّ مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمله” وزاد أبو داود قيل: يا رسول الله أجر خمسين رجلاً منّا أو منهم؟ قال: “بل أجر خمسين منكم”.

-وروى أحمد والدارمي والطبراني عن أبي عُبيدة بن الجرّاح أنه قال يا رسول الله: أحد أفضل إيمانًا منّا؟ أسلمْنا معكَ وجاهدْنا معك، قال: “قوم يَكونون من بعدكم يُؤمنون بي ولم يروْني” وإسناده حسن، وصححه الحاكم.

-وأخرج أحمد والبخاري في التاريخ وابن حبان والحاكم وصححه “طُوبَى لمَن رآني وآمَن بي مرة، وطوبى لمن لم يَرني وآمن بي سبع مرّات” وذلك لأن الله مدح المؤمنين بإيمانهم بالغيب، وكان إيمان الصحابة بالله واليوم الآخر غَيبًا وبالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ شهودًا للآيات والمعجزات، ومن بعدهم آمنوا غيبًا بما آمنوا به شهودًا.

-ورُوِيَ أن عمر بن عبد العزيز لما وَلِيَ الخلافة كتب إلى سالم بن عبد الله بن عمر أن يكتب إليه بسيرة عمر بن الخطاب ليعمل بها، فكتب إليه سالم:إن عملت بسيرة عمر فأنت أفضل من عمر، لأن زمنَك ليس كزمان عمر، ولا رجالُك كرجال عمر، وكتب إلى فقهاء زمانه فكلُّهم كتب بمثل قول سالم.
يقول عمر بن عبد البَرّ، بعد ذلك وبعد أحاديث أخرى: فهذه الأحاديث تقتضي مع تواتُر طُرُقها وحسنها ـ التسوية بين أولِ هذه الأمّة وآخرها في فضل العمل إلا أهل بدر والحديبية . وذلك لنصِّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أفضليّة أهلها على من سواهما.

بعد هذه النُّقول من كتب الأحاديث والسيرة يتبين أن السّلف في مجموعهم أفضل ممّن بعدهم، فخير القرون قرن الرسول ثم من بعدهم، وذلك لكثرة المؤمنين الطائعين الذين بذَلوا كثيرًا ولكن لا يعدم أن يكون فيهم أفراد لا يدخلون في الخيريّة، كالمنافقين وبعض العَاصِين.

والأجيال اللاحقة في مجموعها أقلُّ فضلاً من السابقة، لكن لا يُعدَم أن يكون فيهم أفراد على درجة كبيرة من الفضل ، وذلك لعدة عوامل منها: أنّهم آمَنوا بالرسول ولم يَروْه، وأن الجوّ العام السابق كان أقلَّ فتنةً، وبالتالي لا يحتاج إلى مجاهدة نفسيّة، بخلاف الأجيال اللاحقة حيث كثُرت الفتن وإغراء المُغريات وصاروا فيها غُرباء. وذلك كله فيما عدا الصُّحبةَ، وإنما في الأعمال الأخرى.

ومن هنا نرى على المستوى الفردي أن العِبرة بالعمل كَمًّا وكيفًا (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَب رَهِينٌ) (سورة الطور : 21) وعليه فقد يكون في الخَلَف من هو أفضل من السّلف وإن كان العدد قليلاً، وعلى المستوى الجماعي العِبرة بالعدد، وعليه فالأجيال السابقة يكثُر فيها ذوو الفضل ويقِلّ المفسدون، وما دمنا جميعًا سنرجع إلى الله، ويحاسَب كل واحد على ما عمل، فلابد أن نؤمن بقوله تعالى: (ولا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا ولاَ تَزِرُ وَازِرةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (سورة الأنعام: 164) وقوله : (ولا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِها لا يُحْمَلُ مِنْهُ شَيءٍ ولَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إنَّمَا تُنْذِرُ الذينَ يَخْشَوْن رَبَّهُمْ بِالغَيْبِ وأَقامُوا الصّلاة ومَنْ تَزَكَّى فإنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِه وإلَى اللهِ المَصيرُ) (سورة فاطر : 18) ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى شرح الزرقاني على المواهب اللدنية للقسطلاني ج 5 ص 354 وما بعدها.