روى ابن ماجه والنّسائي والحاكم وصحّحه أن رجلاً قال: يا رسول الله أردت أن أغزوَ، فقال له:” هل لك من أمٍّ”؟ قال نعم:قال” فالزمْها فإن الجنة تحت رجلِها” وعبّر في بعض الروايات عن هذا بقوله:” الجنة تحت أقدام الأمهات.
وردت النصوص في القرآن والسنة بالأمر ببر الوالدين، وتخصيص الأم، بزيادة في ذلك، فإن بِرَّها من أسباب دخول الجنة، والمراد بعبارة:” الجنة تحت أقدام الأمهات” أن خدمة الأم خدمة خالصة، وعدم الأنَفة أو التكبُّر عن أداء هذه الخدمة ـ حتى لو كانت الأم كافِرة على ما جاء في قوله تعالى:( وإنْ جاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِك بي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وصاحِبْهُما فِي الدّنيا مَعروفًا) (سورة لقمان : 15).
من أقوى الأسباب في دخول الجنّة وبالأولى لو كانت الأم المؤمنة عاصية لربها بمثل التقصير في الصلاة.
وليس المراد أن كل الأمّهات يدخلن الجنّة حتمًا، ويكُنّ متمكّنات منها كما يتمكن الإنسان من الشيء الذي تحت قدمه، فإن شرط دخول الجنة الإيمان فلا تدخلها الكافرة، كما قال تعالى:( إنّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ويَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ) (سورة النساء: 48) والمؤمنة وإن عصت ربَّها فقد يغفر الله لها ولا تعذَّب، وقد تعذّب ولكنَّ مصيرها الجنّة ما دام في قلبها ذرة من إيمان تمنع الخلود في النار .
وهنا يكون المطلوب أمرين: الأول أن تجتهد الأم لتدخل الجنة، وذلك بالإيمان والعمل الصالح، والثاني أن يجتهد الولد المؤمن ليدخل الجنة بالعمل الصالح، ومنه برّ الوالدين وبخاصة الأمّ، وليجتمع شمل الأسرة في الجنّة كما كان في الدنيا، قال تعالى:( جَنّات عدنٍ يَدخلونَها ومَن صَلَحَ مِن آبائِهْم وأزْواجِهم وذُرِّيّاتِهِمْ والمَلائِكَةُ يَدْخلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ) (سورة الرعد : 23 ، 24) وقال( والذِينَ آَمَنُوا واتَّبَعَتْهُمْ ذُرّيّتُهُمْ بِإيْمانٍ ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيّتُهُمْ ومَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ) (سورة الطور : 21) .