الحج هو الركن الخامس من أركان اللإسلام، وهو اتجاه المسلمين إلى مكة في وقت معين من العام مؤدين شعائر الحج بترتيب وكيفية محددة تُسمى مناسك الحج،والحج فرض عين واجب على كل مسلم عاقل بالغ وقادر؛ فهو أحد أركان الإسلام الأساسية، يقول رسول الله ﷺ :”بُني الإسلام على خمس: شهادة أنّ لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، إقام الصلاة، إيتاء الزكاة وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلًا.”
أحكام حج المرأة المتزوجة:
الحج من فرائض الإسلام، التى فرضها الله سبحانه وتعالى على المستطيع من الرجال وعلى المستطيعة من النساء، ففي القرآن الكريم قول الله تعالى { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } آل عمران 97 ، وهو من العبادات الأساسية .
ففي السنة الشريفة قول الرسول ﷺ في بيان حقيقة الإسلام والإيمان ( شرح صحيح مسلم للنووى على هامش ارشاد الساري بشرح صحيح البخارى الجزء الأول، الطبعة السادسة بالمطبعة الأميرية ببولاق سنة 1304 هجرية في كتاب الأيمان ص 185، 219 في باب السؤال عن أركان الإسلام ) ( الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا، والإيمان أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره ) ووجوب الحج مشروط بالاستطاعة، كما هو صريح القرآن والسنة وبإجماع المسلمين، غير أن الفقهاء اختلفوا في حقيقتها وفي شروطها بوجه عام .
كما اختلفوا فيها بالنسبة للمرأة .
ففي مذهب الإمام أبي حنيفة إن من الاستطاعة أن يكون معها زوجها، أو محرم لها من النسب، أو من المصاهرة، أو من الرضاع، إذا كان بينها وبين مكة سفر ثلاثة أيام فأكثر، أما إذا كانت مسافة السفر دون هذه المدة، وتوافرت لها باقي عناصر الاستطاعة كان عليها أداء الحج ولو بغير زوج ولا محرم، ولا فرق في كل هذا بين الشابة والمسنة، ويشترط في المحرم أن يكون بالغًا، عاقلا، مأمونًا ( الاختيار شرح المختار ج - 1 ص 139 - 140 طبعة الحلبى لسنة 1355 هجرية - 1936 م )
وفي فقه الإمام مالك إنه لا يشترط لسفر المرأة أن تكون مع زوجها، أو مع محرم، وأنه يجوز لها السفر لأداء هذه الفريضة، إذا وجدت رفقة مأمونة ( بداية المجتهد لابن رشد ج - 1 ص 189 و 190 طبعة الحلبى ).
وفي فقه الإمام الشافعى إنه إذا لم يتيسر للمرأة الخروج للحج مع زوجها أو أحد محارمها ،كان لها أن تحج مع رفقة مأمونة ، فيهم جمع من النساء موثوق بهن ( اثنتان فأكثر ) ويجوز مع امرأة واحدة في حج الفرض، بل صرح فقهاء المذهب للمرأة أن تخرج وحدها عند الأمن في حج الفريضة، أما في حج النفل، فليس لها الخروج مع نسوة، ولو كثرن، ولا تسافر في النفل إلا مع زوج أو ذى رحم لأنه سفر غير واجب ( المجموع للنووى شرح المهذب للشيرازى ج - 7 ص 86 و 87 ومعه فتح العزيز للرافعى شرح الوجيز ص 22 و 23 ).
وفي فقه الإمام أحمد بن حنبل إنه يشترط لوجوب الحج فورًا على المرأة مع باقي عناصر الاستطاعة أن يسافر معها زوجها، أو من تحرم عليه على التأبيد بنسب، أو سبب مباح كالرضاع والمصاهرة ( الروض المربع للبهوتى شرح زاد المستنقع للحجاوى ص 194 طبعة دار المعارف ) ومن ثم يكون عناصر الاستطاعة أن تسافر لأداء فريضة الحج، دون اشتراط أن تكون بصحبة زوجها أو محرم لها، وإنما تكفي رفقة مأمونة مطلقًا كما هو فقه الإمام مالك، أو رفقة مأمونة فيها جمع من النساء الثقات، كما في فقه الإمام الشافعي، وامرأة واحدة تكفي، بل وعند الأمن والأمان تخرج وحدها في حج الفرض .
ذلك شأن المرأة المتزوجة، والتى ليست ذات زوج .
حج المرأة المعتدة من طلاق بائن أو من وفاة:
أما المعتدة من طلاق بائن أو من وفاة فقد جرى فقه مذهب الإمام أبى حنيفة، على أن كلا منهما تقضيان مدة العدة في البيت الذى كانت تقيم فيه وقت وقوع الفرقة بالموت أو بالطلاق البائن، ولا يحل للمطلقة الخروج منه إلا للضرورة، ويحل للمتوفى عنها زوجها الخروج نهارًا لقضاء حوائجها ويحرم عليها الخروج ليلا خوف الفساد ودرءًا للقيل والقال .
وفقه مذهب الإمام مالك جاءت عبارته وسكنت المعتدة مطلقة أو متوفى عنها زوجها على ما كانت تسكن مع زوجها في حياته صيفا وشتاء، ورجعت إن نقلها منه مطلقها، أو مات من مرضه ورجعت وجوبا لتعتد بمنزلها إن بقي شىء من العدة لو كانت قد خرجت لحجة الإسلام إن كان بعدها عن منزلها أربعة أيام فأقل، فإن زاد على هذا لم ترجع بل تستمر، كما لو دخلت في الإحرام ( الشرح الكبير للدردير مع حاشية الدسوقى ج - 2 ص 548 و 549 باب العدة والتاج والاكليل للمواق مع مواهب الجليل للحطاب ج - 4 ص 162 و 163 فى باب العدة ).
وفي كتاب الأم المروى عن الإمام الشافعى في باب العدة - تحت عنوان مقام المتوفى عنها زوجها والمطلقة في بيتها .
دلت السنة على أن على المتوفى عنها زوجها، أن تمكث في بيتها حتى يبلغ الكتاب أجله إلى أن قال وإن أذن لها بالسفر فخرجت، أو خرج بها مسافرًا إلى حج، أو بلد من البلدان فمات عنها، أو طلقها طلاقًا لا يملك الرجعة فسواء، ولها الخيار في أن تمضي في سفرها ذاهبة أو جائية وليس عليها أن ترجع إلى بيته قبل أن ينقضي سفرها ( ج - 5 طبعة الأميرية ببولاق 1322 هجرية ص 208 و 210 ) وفي مختصر المازنى تحت ذات العنوان السابق ولو خرج مسافرًا بها أو أذن لها في الحج، فزايلت منزله فمات أو طلقها ثلاثًا فسواء .
لها الخيار في أن تمضى لسفرها ذاهبة وجائية وليس عليها أن ترجع إلى بيته قبل أن تقضي سفرها ( هامش المرجع السابق ص 32، ومثله في تحفة المحتاج وحواشيها ج - 8 ص 264 و 265، وفي حاشية البيجرمي على شرح منهج الطلاب ج - 4 ص 91 ، وفي حاشية البيجرمى على تحفة الحبيب شرح الخطيب ج - 4 ص 51 و 53 ).
وفي فقه مذهب الإمام أحمد بن حنبل قال ابن قدامة فى المغنى ولو كانت عليها حجة الإسلام، فمات زوجها لزمتها العدة في منزلها وإن فاتها الحج، لأن العدة في المنزل تفوت ولابدل لها والحج يمكن الإتيان به في غير هذا العام .
وإن مات زوجها بعد إحرامها بحج الفرض، أو بحج أذن لها فيه نظرت فإن كان وقت الحج متسعًا لا تخاف فواته، ولا فوت الرفقة، لزمها الاعتداد في منزلها، لأنه أمكن الجمع بين الحقين، فلم يجز إسقاط أحدهما، وإن خشيت فواتها الحج لزمها المضى فيه، وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يلزمها المقام وإن فاتها الحج، لأنها معتدة فلم يجز لها أن تنشىء سفرًا، كما لو أحرمت بعد وجوب العدة عليها .
ولنا أنهما عبادتان استوتا في الوجوب وضيق الوقت، فوجب تقديم الأسبق منهما، كما لو كانت العدة أسبق، ولأن الحج آكد لأنه أحد أركان الإسلام، والمشقة بتفويته تعظم فوجب تقديمه ، كما لو مات زوجها بعد أن سفرها إليه ( ج - 9 من المغنى مع الشرح الكبير ص 185 طبعة المنار ) ونقل ابن هبيرة الحنبلي في كتابه الإفصاح عن معاني الصحاح في باب العدة أن الفقهاء اختلفوا فى المتوفى عنها زوجها وهى فى الحج .
فقال أبو حنيفة تلزمها الإقامة على كل حال إن كانت في بلد أو ما يقاربه، وقال مالك والشافعي وأحمد إذا خافت فواته إن جلست لقضاء العدة جاز لها المضي فيه ( ص 364 و 365 طبعة المطبعة الحلبية بحلب لسنة 1366 هجرية - 1947 م ) .
وما نقله ابن هبيرة عن الأئمة مالك والشافعي وأحمد من أنه إذا خافت فوات الحج إن جلست لقضاء العدة جاز لها المضي فيه ( المرجعان السابقان ) لما كان ذلك كان جائزًا للسيدة المسئول عنها السفر لأداء فريضة الحج، وإن كانت في عدة وفاة زوجها، لأن الحج آكد باعتباره أحد أركان الإسلام، والمشقة بتفويته تعظم فوجب تقديمه ، لاسيما وقد دخلت في مقدماته في حياة الزوج وبإذنه، وذلك تخريجًا على تلك النصوص من فقه الأئمة مالك والشافعي وأحمد .