ثواب الأم على الحمل والولادة والإرضاع وحسن التربية عظيم ، ومن أجل ذلك أوصى الله تعالى الأولاد بالإحسان إلى الأم وقدم الإحسان إليها على الإحسان على الأب ، اعترافا بجميلها ، وتقديرا لعنائها ، كما أن لها الثواب عند الله تعالى إن أخلصت ذلك لوجه الله ، فسيجعل الله تعالى ولدها قرة عين لها ، وسيكون شفيعا لها عند الله تعالى يوم القيامة ، كما ستنتفع بدعائه وبره بعد موتها .

يقول الشيح الدكتور محمد سعيد حوى، أستاذ الشريعة بالجامعات الأردنية :
إن ما يتصل بالأم من حيث ثوابها إثر تحملها عناء الحمل، ثم الولادة، ثم الإرضاع عظيم جدا، جاءت الآيات فيه عامة “ووصينا الإنسان بوالديْه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك ” ، فقرن الشكر للوالدين بالشكر لله ، وقدم وخصص الأم بالذكر والوصية.

وقال تعالى: ” ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها ” ، كل ذلك بيان لفضلهما – أي الأم والأب -، والأم خاصة مع حديث رسول الله: “من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك..” ثلاث مرات ” ثم قال في الرابعة : ” ثم أبوك”، وأيضا جاء شاب إلى الرسول –عليه الصلاة والسلام- يريد الجهاد ، فسأله الرسول: “هل لك من والديك أحد حي؟ قال: بل كلاهما. قال: فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما “، وفي رواية ” ففيهما فجاهد “. متفق عليه ، وفي رواية أن شابا أتاه يستأذن في الجهاد ، فسأله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره الشاب بأن أمه حية ، فقال صلى الله عليه وسلم : ” الزمها فإن الجنة تحت قدميها “.

كل ذلك دال على فضل الأم مع قوله تعالى “وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا ” فقرن الله تعالى الإحسان إليهما بعبادته سبحانه ، ونهى عن الإساءة إليهما ولو بالكلام ، ولو كان هناك كلمة دون ” أف” لنهى عنها .
بعد هذا البيان نعلم أن ما تعانيه الأم من آلام الحمل والولادة والإرضاع سبب في تكريمها والوصية بها .

وأما الإرضاع فقد جاء الحث في قوله تعالى: “والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين”، لكنني لا أعلم نصا خاصا في أجر الإرضاع وأجر الولادة ، إلا أنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الأم إذا ماتت وهي تلد فهي من الشهداء ، كما جاء في الحديث : ” والمرأة تموت بجمع ” ، كما أن كل عمل ينوى به الإنسان فعل الخير والإحسان إلى الناس والرحمة بهم ؛ له أجره عند الله تعالى ، كما صح أنه صلى الله عليه وسلم قال : ” إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى .

وأما أجر تربية الأولاد فيقول الله تعالى: ” يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا ” ويقول أيضا: ” وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها “، وبتتبعنا أحوال النبي -عليه الصلاة والسلام- نجده يحرص على المتابعة الدقيقة لأمور التربية، كقوله للحسن بن علي، وقد أخذ تمرة من الصدقة : “(كخٍ كخٍ) – كلمة زجر- أما علمت أنا لا نأكل الصدقة ؟ ” ولاحظ الذي يأكل بشماله فقال :” يا غلام سمِّ الله ، وكُلْ بيمينك ، وكل مما يليك “، وقال : ” كلكم راعٍ ، وكلم مسؤول عن رعيته ” .

ومن المسؤولية قوله صلى الله عليه وسلم : ” مروا أولادكم بالصلاة وهم أولاد سبع ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع “، وجاء حديث خاص في بيان ثواب من كانت له ثلاث من البنات، وفي رواية ” ثنتان ” وفي رواية “واحدة ” وفي رواية أعم في قوله: ” من ابتُلي بشيء من هؤلاء البنات، فأدبهن وأحسن تربيتهن كُنَّّ له سترا من النار”، وهذا التخصيص ليس المقصود به أنه لا يكون لك أجر مماثل في تربية الأبناء الذكور، إنما سبب ورود الحديث أن امرأة جاءت تسأل السيدة عائشة ، وكان معها بنتان، فأعطتها السيدة عائشة تمرة ، فقسمتها شقين بينهما، فذكر النبي ذاك الحديث، وهو ما يبين أن الأجر عام إن شاء الله ، وسبب آخر في تخصيص البنات أنهن ممن يُستضعف ويُهمل في العرف الجاهلي ، فأراد النبي أن ينبه على ما ينبغي التنبيه عليه.

ولقد جاء في الحديث أن حسن التربية ينفع الإنسان بعد موته ، حيث قال صلى الله عليه وسلم : ” إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له “، وهو ما يبين أن حسن تربية الأولاد هو في صحيفة الآباء والأمهات مع أنه واجب ، ويجني ثمرته في الدنيا بأن يكون الأولاد قرة عين لأهلهم ، ومما يبين فضيلة تربيتهم أيضا قوله تعالى: ” والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم ” ، وما ورد أن الطفل إذا حفظ القرآن كان شافعا لأبويه يوم القيامة ، وكذلك إذا مات فاحتسباه عند الله تعالى .