إن الإنسان إذا فارقت روحه جسده صار جثة هامدة لا حراك لها، ومصيره لا يعلمه إلا الله، والقول بأن النعش يرغم حامليه على السير استخفاف بالعقول، فلم يرد مثل هذا عن سلفنا الصالح فضلا عن الواقع الذي يكذب ذلك، ولا يليق بالمسلم أن يردد كل ما يسمع بل لا بد أن نزن الأمور بميزان الشرع، وأن نعمل عقولنا حتى لا نشغل أنفسنا بخرافات لا تليق بنا أمة الخيرية ولا نجني من ورائها إلا أن نوصف بالتخلف والجهل.
يقول الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق -رحمه الله-:
هذه أقوال لا يكفي مجرد سماعها، فالناس مولعون بتناقل الأخبار الغريبة، وفيهم من هو قابل لتصديق كل شيء يسمعه فينقله ويتحدث به ويقسم عليه.
إن صدق مثل هذا القول يعتبر نوعا من الاستخفاف بالعقول والازدراء بالإنسان، ومن الغريب أنا لم نسمع بذلك إلا في بعض القرى؛ حيث يحمل الموتى على الأعناق، فلم نسمع عن ميت محمول في سيارة أو في قطار أو في طائرة ولم نسمع أن جثة لميت في باخرة امتنعت عن أيدي الذين يقذفونها في البحر حتى لا تأكلها الحيتان والأسماك وتدفن في القبور العادية.
لم نسمع شيئا من ذلك عن أحد من الربانيين الذين ماتوا في العصور الأولى للإسلام ـ خير القرون ـ وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون وحملة وحماة راية الإسلام من الصديقين والشهداء والصالحين؛ فنحن نعيش في القرن الحادي والعشرين -عصر التقدم والرقي والحضارة- في حل من تكذيب كل ما نسمع من هذا القبيل ونرفضه، ولا نُعنى بالحديث والبحث عن أسراره وأسبابه، والإنسان متى فارق الحياة انقطعت صلته بالدنيا وصار أمره لله وحده.
ومن الغريب والعجيب أن مثل هذه الأقاصيص المخترعة لا تروج إلا في زمن التقهقر الفكري وانصراف الناس عن العمل الجاد المثمر، ولا تروج إلا في بيئات خاصة عرفت بالسذاجة وتصديق كل ما يقال.
فليعلم الجميع بأن القول بطيران الموتى أو تقدمهم أو تأخرهم قول غير صحيح، وليس في النفس سوى جثة هامدة ذهبت روحها إلى خالقها، وهو وحده العليم بحالها ما لها وما عليها، وصدق الله القائل: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً).الإسراء:36.