انعقد الإجماع على من أن من سب الذات الإلهية أو سب رسول الله –ﷺ- أو سب دين الله، فهو كافر خارج عن الملة إذا فعل ذلك عامداً قاصداً عالماً به غير جاهل ولا مكره>
ولكن هناك فارق بين كون الشيء كفراً وتكفير الشخص الذي حصل منه ذلك بعينه فلا نستطيع أن نحكم بكفر كل إنسان إذا صدر منه ما يحكم العلماء أنه كفر لأن تكفير المعين يحتاج إلى معرفة أن موانع التكفير منتفية عن هذا الشخص المعين>
وعلى هذا فمن سب دين الله تعالى يجب بذل النصح له وتذكيره بالتوبة دون التعرض له بتكفير أو تفسيق.
يقول فضيلة الدكتور حسام عفانه -أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:
إن من الأمور المقلقة في المجتمع انتشار سب الدين وسب الرب بشكل ظاهر وواضح حيث إن هذه الظاهرة المنكرة أصبحت دارجة على ألسن كثير من الناس صغاراً وكباراً ذكوراً وإناثاً ونسمعها باستمرار كلما تصايح اثنان وهذه الظاهرة المنكرة تحتاج إلى علاج شامل لتستأصل من أوساط الناس وعلاج هذه الظاهرة يحتاج إلى تضافر الجهود من أئمة المساجد والخطباء والمربين والمدرسين والآباء والأمهات وغيرهم .
ولا بد أن نغرس معاني الإيمان في نفوس أبنائنا وبناتنا ونعلمهم أن سب الدين وشتم الذات الإلهية من نواقض الإيمان، والأسرة والبيت لهما دور كبير في ذلك وكذلك المدرسة فالمربون من المدرسين والمدرسات عليهم واجب كبير في هذه القضية وخاصة نحو صغار الأطفال الذين قد يسمعون هذه الشتائم لأول مرة في المدرسة من زملائهم أو في الشارع والحق يقال إن هذه الظاهرة منتشرة في بلادنا بشكل واضح مع الأسف الشديد بخلاف كثير من بلاد المسلمين فلا تكاد توجد عندهم ولا يعرفونها.
ويجب أن يُعلم أن العلماء قد بينوا أن سب الدين أو سب الرب أو سب الرسول ﷺ يعد كفراً مخرجاً من الملة وهو ردة عن دين الإسلام إذا كان الساب يعلم ما يصدر عنه حتى لو كان مستهزئاً .
يقول الله تعالى :( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَءَايَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) سورة التوبة الآيات 65-66
.قال القاضي عياض: [لا خلاف أن ساب الله تعالى من المسلمين كافر حلال الدم ] الشفا بتعريف حقوق المصطفى 2/267 .
وقال القاضي عياض أيضاً: [قد تقدم من الكتاب والسنة وإجماع الأمة ما يجب من الحقوق للنبي ﷺ وما يتعين له من بر وتوقير وتعظيم وإكرام وبحسب هذا حرم الله تعالى أذاه في كتابه وأجمعت الأمة على قتل متنقصه من المسلمين وسابه قال الله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا) سورة الأحزاب الآية 57. وقال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) سورة التوبة الآية 61. وقال الله تعالى (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا ) سورة الأحزاب الآية 53.
وقال تعالى في تحريم التعريض به :( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) سورة البقرة الآية 104 . وذلك أن اليهود كانوا يقولون راعنا يا محمد أي أرعنا سمعك واسمع منا ويعرضون بالكلمة يريدون الرعونة فنهى الله المؤمنين عن التشبه بهم وقطـع الذريعـة بنهي المؤمنـين عنها لئلا يتوصل بها الكـافر والمنافق إلى سبـه والاستهزاء به] الشفـا بتعريف حقوق المصطفى 2/217.
وقال القاضي عياض أيضاً: [ اعلم وفقنا الله وإياك أن جميع من سب النبي ﷺ أو عابه أو ألحق به نقصاً في نفسه أو نسبه أو دينه أو خصلة من خصاله أو عرض به أو شبهه بشيء على طريق السب له أو الإزراء عليه أو التصغير لشأنه أو الغض منه والعيب له فهو ساب له والحكم فيه حكم الساب يقتل كما نبينه ولا نستثني فصلاً من فصول هذا الباب على هذا المقصد ولا نمتري فيه تصريحاً كان أو تلويحاً .
وكذلك من لعنه أو دعا عليه أو تمنى مضرة له أو نسب إليه ما لا يليق بمنصبه على طريق الذم أو عبث في جهته العزيزة بسخف من الكلام وهجر ومنكر من القول وزور أو عيره بشيء مما جرى من البلاء والمحنة عليه أو غمصه ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهودة لديه . وهذا كله إجماع من العلماء وأئمة الفتوى من لدن الصحابة رضوان الله عليهم إلى هلم جرَّا ] الشفا بتعريف حقوق المصطفى 2/220.
ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية عن الإمام إسحاق بن راهوية أحد الأئمة الأعلام ( أجمع المسلمون على أن من سب الله أو سب رسوله ﷺ أو دفع شيئاً مما أنزل الله عز وجل أو قتل نبياً من أنبياء الله عز وجل أنه كافر بذلك وإن كان مقراً بكل ما أنزل الله ]. الصارم المسلول على شاتم الرسول ص9 .
إذا تقرر أن سب الذات الإلهية وسب الرسول ﷺ وسب الدين كفر مخرج من الملة فيجب الانتباه إلى الفرق بين كون الشيء كفراً وتكفير الشخص الذي حصل منه ذلك بعينه فلا نستطيع أن نحكم بكفر كل إنسان إذا صدر منه ما يحكم العلماء أنه كفر لأن تكفير المعين يحتاج إلى معرفة أن موانع التكفير منتفية عن هذا الشخص المعين.
وقد ذكر أهل العلم أن موانع التكفير هي الخطأ والجهل والعجز والإكراه.
قال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين: [للحكم بتكفير المسلم شرطان:
أحدهما: أن يقوم الدليل على أن هذا الشيء مما يُكَّفر.
الثاني: انطباق الحكم على من فعل ذلك بحيث يكون عالماً بذلك قاصداً له فإن كان جاهلاً لم يكفر لقوله تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) سورة النساء الآية 115. وقوله تعالى :( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ ) سورة التوبة الآية 115. وقوله تعالى :( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ) سورة الإسراء الآية 15.
لكن إن فرط بترك التعلم والتبين لم يعذر مثل أن يبلغه أن عمله هذا كفر فلا يتثبت ولا يبحث فإنه لا يكون معذوراً حينئذ.
وإن كان غير قاصد لعمل ما يُكَّفر لم يكفر بذلك مثل أن يُكره على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان ومثل أن ينغلق فكره فلا يدري ما يقول لشدة فرح ونحوه كقول صاحب البعير الذي أضلها ثم اضطجع تحت شجرة ينتظر الموت فإذا بخطامها متعلقاً بالشجرة فأخذه فقال :[ اللهم أنت عبدي وأنا ربك ] أخطأ من شدة الفرح ] فتاوى العقيدة ص263-264 .
وقد سئل الشيخ العلامة عبد الرزاق عفيفي عن سب الدين أو الرسول ﷺ أو القرآن العظيم هل يكفر ولو كان جاهلاً ؟
فقال: [هذا الباب كغيره من أبواب الكفر يُعلّم ويؤدب فإن عُلّم وعاند بعد التعليم والبيان كفر وإذا قيل لا يعذر بالجهل فمعناه يُعَّلم ويؤدب وليس معناه أنه يُكَّفر] فتاوى ورسائل الشيخ عبد الرزاق عفيفي ص372 .
وبناء على ما تقدم فإن كثيراً من الناس الذين يسبون الدين والرب في بلادنا وتجري هذه الكلمة على ألسنتهم لا نستطيع أن نحكم عليهم بالكفر وبانفساخ زواجهم لأن هؤلاء يجهلون ما يترتب على التلفظ بالسب والشتم من نتائج، وكذلك فإن السب والشتم يصدر منهم من غير قصد ولا إرادة وما كان كذلك فإن الله سبحانه وتعالى لا يؤاخذ عليه كما في يمين اللغو التي يتلفظ بها الإنسان ولكنه لا يقصد اليمين فهو غير مؤاخذ بذلك ، يقول الله تعالى :( لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ ) سورة المائدة الآية 89 .
ويضاف إلى ذلك أن السب والشتم إذا صدر عن الإنسان وهو في حالة من الغضب الشديد بحيث أنه لا يدري ما يصدر منه فأرجو أن لا يؤاخذ على كلامه، ولا يفهمن أحد أن في هذا الكلام تهويناً من هذه الجريمة المنكرة والعادة القبيحة ألا وهي سب الدين والذات الإلهية والرسول ﷺ فعلى من وقع منه ذلك أن يتوب إلى الله توبة صادقة وأن يكثر من الاستغفار ومن فعل الخيرات فلعل الله أن يتوب عليه يقول سبحانه وتعالى :( قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) سورة الزمر الآية 53 .
وخلاصة الأمر أن سب الدين والرب ردة في حق من ارتكبه عامداً قاصداً عالماً به غير جاهل ولا مكره.
وأما من لم يتحقق فيه ذلك فهو مرتكب لذنب عظيم وعليه التوبة بشروطها ولا ينفسخ زواجه .
والله أعلم.