حج بيت الله الحرام هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وهو واجب مرة واحدة في العمر على كل مسلم بالغ عاقل إذا استطاع إليه سبيلا، أي إذا كانت له القدرة المادية والصحية على أداء هذه الفريضة.
حكم الطيب وغيره من العطور للحاج:
يقول الشيخ عطية صقر-رحمه الله تعالى-رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف سابقا:
روى البزار بسند صحيح أن عمر رضي الله عنه وَجَدَ ريح طِيب من معاوية وهو مُحرِم، قال له. ارجع فاغْسله، فإنّي سمعت رسول الله ﷺ يقول: “الحاجُّ الشَّعثُ التّفِل”.
والشّعث مَن عليه أثر التّراب من السفر، والتّفِل البعيد العهد بالماء، وقال النبي ﷺ: “أما الطِّيب الذي بكَ فاغسله عنك ثلاثَ مرّات.
وقال فيمَن مات وهو مُحرِم “لا تخمّروا رأسَه ولا تمسّوه طِيبًا، فإنه يُبعث يوم القيامة مُلبّيًّا.
نعم الإسلام دين النظافة، سواء أكانت تخلية أم تحلية، تخلية بالغُسل وإزالة الزوائد التي تتجمع معها الأوساخ، وتحلية بالطِّيب وسائر الروائح الزكِية ونحوها.
ولكن الحاج في أثناء إحرامه، وقد تكون مدته قصيرة جِدًّا، ممنوع مِن التحلية بالروائح الطيبة؛ لأنها من باب الكماليات.
والحج يقوم على التجرُّد منها والوقوف أمام الله بأقل ما يستُر العورة، تشبُّهًا بما سيكون الناس عليه يوم يُحشَرون إلى ربِّهم {ولَقَدْ جِئْتُمونَا فُرادَى كَمَا خَلَقْنَكُمْ أوّلَ مرّة وتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وراءَ ظُهورِكُمْ} (الأنعام: 94).
وقد جاء في الأحاديث أن الله يُباهي الملائكةَ بالواقِفين على عرفةَ ويقول “انظُروا إلى عِبادي أَتَوْنِي شُعثًا غُبرًا ضاحِينَ من كلِّ فجٍّ عَميق…”.
أما التخلية عن الأمور التي تضرُّ الجسم وتضرُّ بالرِّفاق والمجتمع الكبير فإن الإسلام أباح الاغتسال والتطهُّر أثناء الإحرام، ومنع العطور التي هي زائدة على النظافة العادية.
وقد ورد أن ابن عباس رضي الله عنهما دَخل حمام الجُحْفةِ وهو مُحْرِم، فقيل له: أتدخل الحمّام وأنت مُحْرِم…؟ فقال: إن الله ما يَعبأ بأوساخِنا شيئًا.
وأخرج الجماعة إلا الترمذي أن أبا أيوب الأنصاري كان يغتسِل بصبِّ الماء عليه والتدليك. وقال هكذا رأيته ﷺ يفعل.
حكم الاغتسال والتطهر للحاج:
الاغتسال والتطهُّر بوجهٍ عام مَشروط أو مندوب لعِدة أعمال في الحَج.
فعن ابن عمر أنه قال: مِن السُّنّة أن يغتسِل إذا أراد الإحرام، وإذا أراد دخول مكة. رواه البزار والدارقطني والحاكم وصحّحه. وكذلك يُسَنّ الغُسل للوقوف بعَرفة.
والطِّيب جائِز قبل الإحرام حتى لو امتدّ أثرُه إلى ما بعد الإحرام، ففي البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالتْ: كأنِّي أنظرُ إلى وَبِيص الطِّيب ـ أي بريقِه ـ في مَفرِق رسول الله ﷺ وهو مُحْرِم.
وعنها أيضًا قالت: كنا نخرج مع رسول الله ﷺ إلى مكّة، فننضح جِباهَنا بالمسك عند الإحرام، فإذا عَرِقْت إحدانا سال على وجهها فيراه النبي ﷺ فلا يَنهانَا. رواه أحمد وأبو داود.
وجوز الفقهاء استعمال الصّابون وغيره من كل ما يُزيل الأوساخ أثناء الإحرام.
وعند الشافعيّة والحنابلة يجوز أن يُغتسَل بصابون له رائحة؛ لأن المقصودَ به النظافة لا التطيّب.
هذا، وكثير من الناس الذين فَهِموا النصوص خطأ يمتنعون عن الاغتسال وتغيير الملابس ويؤثِرون البقاء على ما هم عليه حتى بعد انتهاء أعمال الحج وانتظار العودة إلى البلاد، ويظنُّون أن ذلك من الدِّين، مع ما قد يفوح منهم من رائحة كريهة، وبخاصة في أيام الحَرِّ، وهم بذلك يخلُقون مجالاً لبعض الأمراض، إلى جانب إيذاء الغَير بروائحهم الكريهة.