مدة الإجارة، وهل تكون طويلة أو قصيرة:

إن إجارة المنفعة تتعين ببيان المدة؛ فإن المدة إذا كانت معلومة كان قدر المنفعة معلوما، وقد وضع الحنابلة ضابطًا واضحًا في ذلك؛ إذ يشترطون أن تكون المدة معلومة في إجارة العين لمدة كالدار والأرض، وقالوا: إن مدة الإجارة تحدد بطبيعة العين أو المنفعة المؤجرة، كإجارة الدابة ليوم، والدار بحسب حالتها، والأرض ثلاثين عامًا، ويوافقهم الشافعية والمالكية (المغني 5/324، كشاف القناع 4/22 الشرح الكبير 4/12).
أما طول مدة الإجارة فإنه يجوز الاتفاق على ذلك، حتى قال الشافعية: تصح إجارة الأرض مائة سنة أو أكثر، لأن عقد الإيجار على العين يصح مدة تبقى فيها العين إليها.
وقال الحنفية: إذا كانت الأرض موقوفة فأجرها المتولي إلى مدة طويلة؛ فإن كان السعر على حاله لم يزد ولم ينقص فإنه يجوز، إلا إذا كان الواقف قد شرط ألا يؤجرها أكثر من سنة (نهاية المحتاج 5/302، الفتاوى الهندية 4/461).
وعلى وجه العموم فإن المنفعة المعقود عليها إذا كانت قابلة للاستمرار والبقاء فإنه يجب النص على بيان المدة المطلوبة للانتفاع بها كيوم أو شهر أو سنة مثلاً.
كما أن أقل مدة تصح بها الإجارة هو ما له أجر عرفا، أما ما لا يعطى فيه أجر عرفا لقصره كاستئجار دار للسكنى خمس دقائق فلا تصح معه الإجارة، ولا حد لأكثر المدة عند الحنفية، فيصح عقد الإجارة على مدة معلومة وإن قصرت كيوم ونحوه، وإن طالت كمائة سنة.

تعجيل قيمة الإجارة :

تعجيل قيمة الإجارة أو تأجيلها يعود إلى ما تعارف عليه الناس، فإذا لم يكن عرفًا فإن استحقاق المؤجر للأجرة لا يثبت إلا عند استيفاء المستأجر المنفعة المعقود عليها، ولكن إذا عجلها المستأجر فدفعها إلى المؤجر فإنه يتملك المنفعة في جميع الأحوال دون انتظار لاستيفائه هذه المنفعة.
إذا شرط في عقد الإجارة تعجيل الأجر صح هذا الشرط ولزم وجوب الوفاء به.
وإن كان الحنفية يرون أن مالك العين لا يستحق الأجرة بمجرد العقد، وإنما باستيفاء المنفعة أو بالتمكن من استيفائها، بمعنى أن يخلي بين العين وبين مستأجرها حتى يتمكن من استيفاء منفعتها.

حكم تأجير العين المؤجرة:

يرى الحنفية أنه إذا نص في عقد الإجارة على أن العين لمنتفع واحد لا يتعداه، فإن على المستأجر أن يتقيد بهذا القيد، أما إذا كانت المنفعة لا تختلف باختلاف المستعمل، فليس على المستأجر أن يتقيد بهذا القيد سواء أشرط ذلك عليه في العقد أم لم يشرط.
أما تصرف مالك العين المستأجرة في منفعتها مدة إجارتها فغير جائز، لأنها صارت مملوكة لغيره وهو المستأجر.
يرى المالكية والشافعية جواز تأجير المستأجر للعين، سواء أكانت الأجرة الثانية مساوية أم زائدة أم ناقصة عن الأجرة الأولى، وسواء أكان التأجير للمالك نفسه أم لغيره.
ويرى الحنابلة أن للمستأجر أن يؤجر العين لغيره ممن يساويه في الانتفاع بها أو يكون دونه في ذلك، كما يجوز له أن يؤجرها لمالكها، مطلقا لرضاه ذلك بإقدامه على استئجارها.
وجاء في بعض كتبهم: يجوز للمستأجر أن يؤجر ما استأجره لغيره مؤجرًا كان أم غير مؤجر، وإذا جاز له أن يؤجر العين المستأجرة كان له إجارتها بمثل الأجرة التي أجرها بها وبزيادة على هذه الأجرة (المغني ج6/51)، وعند الإمام أحمد أنه إن أذن المالك بالزيادة جاز وإلا فلا.