الطلاق من حيث الأساس حقّ أعطاه الإسلام للرجل.
و يمكن للمرأة أن تطلّق نفسها، إذا اشترطت ذلك في عقد الزواج، أو إذا فوّضها زوجها بذلك ولو بعد العقد.
كما يجوز لها أن تعيد لزوجها المهر الذي دفعه إليها، وعليه أن يطلّقها إذا لم يكن هناك مانع لسبب آخر وهذه هي المخالعة.
وللمرأة أن تتّفق مع زوجها على الطلاق ضمن أيّ شروط مشروعة يتراضيا عليها.
ولها أن تطلب من القاضي التفريق بسبب مرض زوجها مرضاً جنسياً أو منفّراً، أو بسبب غيابه، أو عدم إنفاقه عليها، أو بسبب الضرر اللاحق بها من استمرار الحياة الزوجية. وعلى القاضي أن يحكم بالتفريق إذا أثبتت الزوجة ادّعاءها.
يقول الشيخ المستشار فيصل مولوي نائب رئيس المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث – رحمه الله تعالى – :
أعطى الإسلام حقّ الطلاق للرجل. ثبت ذلك بالقرآن والسنّة، وأجمع الفقهاء عليه لا نعلم في ذلك خلافاً.
أمّا القرآن الكريم فقد أسند الطلاق إلى الرجل في أكثر من آية. منها قوله تعالى: ( يا أيّها النبيّ إذا طلّقتم النساء فطلّقوهنّ لعدّتهنّ ) الطلاق : 1. وقوله تعالى: ( لا جناح عليكم إن طلّقتم النساء ما لم تمسّوهنّ أو تفرضوا لهنّ فريضة…)البقرة : 236 . وغير ذلك من الآيات.
وأمّا السنّة المطهّرة فقد ثبت فيها من خلال مئات الأحاديث الصحيحة أنّ الطلاق بيد الرجل، نذكر منها: ما رواه البخاري ومسلم وغيرهم عن عبد الله بن عمر أنهّ طلّق زوجته وهي حائض، فذكر ذلك عمر لرسول الله ـ ﷺ ـ فتغيّظ ثمّ قال: (ليراجعها، ثمّ يمسكها حتّى تطهر، ثمّ تحيض فتطهر، فإن بدا له أن يطلّقها، فليطلّقها قبل أن يمسّها، فتلك العدّة كما أمر الله عزّ وجلّ). وما رواه مسلم عن ابن عبّاس قال: (كان الطلاق على عهد رسول الله وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة. فقال عمر: إنّ الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم). وغير ذلك من الأحاديث.
والإسلام – وهو دين الفطرة – جعل عقد الزواج بين الرجل والمرأة عقداً مؤبّداً. ولكن طبيعة كلّ من الزوجين وظروفهما قد تجعل الاستمرار في الحياة الزوجية بينهما محالاً فكان لا بدّ من إباحة التفريق فكيف يكون ذلك؟
لنذكر كلّ الاحتمالات الممكنة، ولنناقشها واحداً بعد الآخر:
أ. أن يتّفق الزوجان على الطلاق كما اتفقا على الزواج. وهو أمر عادل ووجيه. ولكنّه يحلّ المشكلة حلاً جزئياً. فإذا اتفقا على الطلاق وقع ذلك. وهذا ما يقرّره الإسلام ويسمّى بالمخالعة.
وإذا اختلفا فأراد أحدهما الطلاق ورفض الآخر، هل يمكن بقاء الحياة الزوجية؟ وكيف يكون الحلّ؟
ب. أن يعطى حقّ الطلاق للقاضي، وهو أمر يؤدّي إلى كشف أسرار عائلية ليس من الشهامة كشفها، بل هو يؤثّر على سمعة الزوجين وقد تكون مانعاً لهما من استئناف حياة زوجية أخرى. كما أنّ أسباب الطلاق قد ترجع إلى أمور نفسية يصعب إثباتها أمام القضاء. فهل يجبر كلا الزوجين أن يعيش مع الآخر لأنّه لم يستطع إثبات أسباب الطلاق أمام القضاء؟ بينما حياتهما الزوجية جحيم لا يطاق، وهي حياة خاصّة بهما يتحكّم بها القاضي وهو شخص غريب عنهما.
ومع ذلك فقد أعطى الإسلام حقّ الطلاق للقاضي – ويسمّى التفريق – في حالة واحدة وهي إذا طلبت المرأة الطلاق، وامتنع الزوج عن إجابتها لطلبها بالاتفاق أو بالمخالعة. وأصرّ على استمرار الحياة الزوجية بينهما. فهنا لا بدّ أن يتدخّل القضاء لحماية استمرار الحياة الزوجية إن أمكن، ولحماية المرأة وتفريقها عن زوجها إذا كانت لا تتحمّل هذه الحياة الزوجية.
ت. أن يعطى حقّ الطلاق لكلّ من الزوجين وحده. فالرجل يطلّق عندما يشاء، والمرأة لها أن تطلّق عندما تشاء. من حيث الظاهر فإنّ هذا الاقتراح يحقّق المساواة بين الزوجين. ولكن الحقيقة تختلف عن ذلك بسبب اختلاف المركز القانوني لكلّ من الزوجين.
فالرجل عندما يطلّق يتحمّل نتائج طلاقه، ويدفع مؤجّل المهر لمطلّقته، ويدفع لها نفقة ولده إذا بقي في حضانتها، بل يدفع لها أجرة إرضاع طفله منها إذا كان لا يزال في سنّ الرضاعة، كما يدفع لها أجرة حضانته.
لكنّ المرأة عندما تطلّق لا تتحمّل هي نتائج الطلاق، بل يتحمّلها الرجل. فهي التي تطلّق، لكنّه هو الذي يدفع المهر المؤجّل، ونفقة الولد وأجرة رضاعه أو حضانته، فهل هذه النتيجة تعتبر مساواة بين الزوجين؟ وهل هي تتّفق مع العدالة؟ وهل المساواة مطلوبة إلاّ من أجل تحقيق العدالة؟
ث. أن يعطى حقّ الطلاق أساساً للرجل، هذا هو الحكم الشرعي. ولعلّنا نعرف أسبابه وحكمته ممّا يلي:
– الأسرة تتألّف من رجل وامرأة بالمساواة والتقابل في الحقوق والواجبات بينهما. لكن الرجل هو الذي يبدأ تكوين الأسرة باختياره زوجته، فمن حقّه أن ينهي الحياة الزوجية المشتركة كما بدأها.
– القوامة في الأسرة للرجل، هذا هو الحكم الشرعي، وهو حكم الفطرة. والقوامة لا تمنع المشاركة بين الزوجين في الحقوق والواجبات. وحقّ الطلاق هو من نتائج قوامة الرجل.
– يترتّب على الطلاق أن يدفع الزوج مؤجّل المهر، ومتعة الطلاق، ونفقة الولد وأجرة رضاعه أو حضانته، فإذا كان هو المطلّق فمن الطبيعي أن يلتزم بنتائج عمله أو يلزم بها.
ج. إذا كان الإسلام قد أعطى حقّ الطلاق للرجل، فقد أحاطه بمجموعة أحكام شرعية تمنع إساءة استعماله، وتسمح للزوجة أن تتخلّص من جحيم الحياة الزوجية إذا كان الرجل مستبدّاً ظالماً.
ونحن نلخّص هذه الأحكام كما يلي:
– اتفق جمهور الفقهاء على أنّ عقد الزواج لا يصحّ إلاّ إذا كان مؤبّداً، وإن اشترط مدّة معيّنة يجعله باطلاً. لأنّ القصد من الزواج ليس قضاء الشهوة فقط، وإنّما هو بناء الأسرة وتكاثر النوع وسكن كل من الزوجين لصاحبه. لذلك يكون الأصل في الطلاق الحظر، حتّى إذا وجدت أسباب تدعو إليه انتقل من الحظر إلى الإباحة إلى سائر الأحكام الشرعية الخمسة.