ِمن شروط صحةالبيع أن يكون المعقود عليه مقدورًا على تسليمه شرعًا وحسًا فما لا يقدر على تسليمه حسًا لا يصح بيعه كالسمك في الماء. وقد روى أحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: “لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر”. وقد روي عن عمران بن الحصين مرفوعًا إلى النبي ﷺ.
وقد روي النهي عن ضربة الغائص، والمراد به أن يقول: من يعتاد الغوص في البحر لغيره، ما أخرجته في هذه الغوصة فهو لك بكذا من الثمن. ومثله الجنين في بطن أمه. ويدخل في هذا بيع الطير المنفلت الذي لا يعتاد رجوعه إلى محله، فإن اعتاد الطائر رجوعه إلى محله ولو ليلاً لم يصح أيضًا عند أكثر العلماء إلا النحل لأن الرسول ﷺ نهى أن يبيع الإنسان ما ليس عنده. ويصح عند الأحناف لأنه مقدور على تسليمه إلا النحل.
ويدخل في هذا الباب عسب الفحل، وهو ماؤه، والفحل الذكر من كل حيوان فرسًا، أو جملاً، أو تيسًا، وقد نهى عنه الرسول ﷺ، كما رواه البخاري وغيره لأنه غير متقوم ولا معلوم ولا مقدور على تسليمه.
وقد ذهب الجمهور إلى تحريمه بيعًا وإجارة ولا بأس بالكرامة. وهي ما يعطي على عسب الفحل من غير اشتراط شيء عليه. وقيل: يجوز إجارة الفحل للضراب مدة معلومة وبه قال الحسن وابن سيرين. وهو مروي عن مالك ووجه للشافعية والحنابلة وكذلك بيع اللبن في الضرع، أي قبل انفصاله لما فيه من الغرر والجهالة.
وقال الشوكاني: إلا أن يبيع منه كيلاً نحو أن يقول: بعت منك صاعًا من حليب بقرتي. فإن الحديث يدل على جوازه لارتفاع الغرر والجهالة. ويستثني أيضًا لبن الظئر فيجوز بيعه لموضع الحاجة. وكذا لا يجوز بيع الصوف على ظهر الحيوان فإنه يتعذر تسليمه لاختلاط غير المبيع بالمبيع. فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله ﷺ: “أن يباع تمر حتى يطعم أو صوف على ظهر أو لبن في ضرع أو سمن في اللبن رواه الدارقطني.
والمعجوز عن تسليمه شرعًا كالمرهون والموقوف فلا ينعقد بيعهما. ويلحق بهذا التفريق بالبيع بين البهيمة وولدها لنهي الرسول ﷺ عن تعذيب الحيوان. ويرى بعض العلماء جواز ذلك قياسًا على الذبح، وهو الأولى. واما بيع الدين: فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز بيع الدين ممن عليه الدين (أي المدين).
وأما بيعه إلى غير المدين، فقد ذهب الأحناف والحنابلة والظاهرية إلى عدم صحته لأن البائع لا يقدر على التسليم. ولو شرط التسليم على المدين فإنه لا يصح أيضًا. لأنه شرط التسليم على غير البائع فيكون شرطًا فاسدًا يفسد به البيع.