ما هي الأضرحة:
يوجَد في العِمارة الإسلاميّة ما يسمّى بالأضِرحة، جمع ضَريح، وهو الشِّقّ في وسط القَبر، وعُرِف بهذا الاسم إذا دُفِنَ فيه شخص له قيمة دينيّة أو علميّة أو غيرهما من القِيَم، واتخذت الأضرحة شكلًا معيّنًا من البناء تعلوه قبة، وكثرت في مصر في عهد الفاطميِّين الذين أقاموا كثيرًا منها لآل البيت وكِبار رجال الدولة، ثم جاءت الدولة الأيوبيّة وأقامت مثلها لكِبار الرجال من أهل السنة، كان من أكبرها ضريح
الإمام الشافعي المتوفّى سنة 204هـ والذي أقامته أمّ السلطان الكامل سنة 608هـ، ثم أصبحت القاعدة بعد ذلك إلحاق القِباب بالمدارس والمساجِد والخانقاوات.
وأول قُبّة على ضريح في تاريخ الإسلام هي قبة الصليبية في مدينة “سمارا” بالعراق على الضفة الغربيّة من نهر دجلة، وأُنشئت سنة 284 هـ ومِن أقدمِها ضَريح الإمام علي في النَّجف الذي أقامه الحمدانيّون سنة 317هـ (مساجد مصر وأولياؤها للدكتورة سعاد ماهر).
ما هو المسجد:
المسجد كل مكان يُسجَد فيه للصلاة، ثم أُطلِق على المكان الذي يُتقرَّب فيه إلى الله بالعبادة، وفيما قبل الإسلام كانت العبادات لا تُؤدَّى إلا في أماكن خاصّة اختار لها الناس مكانًا محترَماً عندهم، كالمكان الذي يُدفن فيه الأنبياء والصّالحون، أما في الإسلام فإن العبادات وعلى رأسها الصّلاة تُؤدّى في أي مكان من الأرض، اللّهم إلا ما كان من عِبادة الحجّ فلها أماكنُ خاصّةٌ يقصدها المسلمون من كل فجٍّ عميق عند الاستطاعة، صح في الحديث الذي فضَّل الله فيه سيدنا محمدًا على الأنبياء السابقين أنّ الله جعل له الأرض كلَّها مسجدًا وتُرابها طهورًا.
لقد تحدّث القرآن الكريم عن أهل الكهف الذين كانوا قبل الإسلام بأن مَن عَثَروا عليهم بَنَوا مسجدًا على قبورهم كما قال تعالى: (فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا) (سورة الكهف : 21) وصحّ في البخاري ومسلم “مسلم ج 5 ص 11” أن أمّ حبيبة وأمَّ سلمة ـ وكانتا من المهاجرين إلى الحبشة ـ ذكرتا لرسول الله ـ ﷺ ـ كنيسة رأتها في الحبشة فيها تصاويرُ للرسول، فقال: “إنَّ أولئكَ إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بَنَوْا على قبره مسجداً وصوَّروا فيه تلك الصُّور، أولئك شِرار الخلق عند الله يوم القيامة” وجاء في صحيح مسلم عن عائشة أنّ الرسول ـ ﷺ ـ قال في مرضِه الأخير “لَعَنَ الله اليهودَ والنّصارى اتَّخذوا قبورَ أنبيائهم مَساجِدَ” قالت عائشة: فلولا ذلك أُبْرِزَ قَبرُه، غير أنه خُشِيَ أن يُتَّخَذَ مَسجدًا.
وفي بعض الروايات أنه ـ ﷺ ـ قال ذلك قبل أن يموتَ بخمسٍ كما قاله جُنْدَب، ولما احتاج الصحابة إلى الزيادة في مسجده وامتدّت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه، ومنها حجرة عائشة مَدفِن الرسول وصاحبيه أبي بكر وعمر ـ بَنوا على القبر حيطانًا مرتفعة مستديرة حوله، لِئَلا يظهرَ في المسجد فيصلِّي إليه العوام، ويؤدِّي إلى المحذور، ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين حتّى التقيا، حتى لا يتمكّن أحد من استقبال القبر.
اتخاذ القبور مساجد فعل اليهود والنصارى:
يُؤخذ من هذا أن الإسلام لا يوافِق على ما فعله اليهود والنصارى من بِناء المساجد على القبور، واتخاذها أماكن للعبادة، واتِّخاذ القبر مسجدًا يصوّر بصورتين: جعل مكان السجود على القبر ذاتِه، أو جعل القبر أمام المصلي ليتجه إليه بالعبادة، وبذلك يُفسَّر قول النبي ـ
ﷺ ـ كما
رواه مسلم “لا تصلُّوا على القبور ولا تجلِسوا عليها” وللحيلولة دون تقديس القُبور وأصحابها بالصلاة عليها أمرَ النبيُّ ـ
ﷺ ـ بعدم البناء على القبور أو رفعها، ففي صحيح مسلم عن علي ـ رضي الله عنه ـ أن الرسول قال له لما بعثَه: “ولا تَدَعْ تمثالًا إلى طمَسْتَه ولا قَبرًا مُشرفًا إلا سوَّيْتَه، ولا صورةً إلا طَمَسْتَها” يقول القرطبي في تفسير “ج 10 ص 379” قال علماؤنا: ظاهره منع تَسنيم القبور ورفعها وأن تكون لاطِئة بالأرض، أي لاصقة، وبه قال بعض أهل العلم، وذهب الجمهور إلى أن هذا الارتفاع المأمور بإزالته هو ما زاد على التّسنيم، ويبقى للقبر ما يُعْرَف به ويُحترَم، وذلك صفة قبر نبينا محمد ـ
ﷺ ـ وقبر صاحبيه رضي الله عنهما، على ما ذكره مالك في الموطّأ، وقبر أبينا آدم على ما رواه الدارقطني من حديث ابن عباس، وأما تعلية البناء الكثيرة على ما كانت تفعله الجاهليّة تفخيمًا وتعظيمًا فذلك يُهدم ويزال، فالزيادة حرام، والتّسنيم في القبر ارتفاعه قدر شبر، مأخوذ من سنام البعير (يراجع نيل الأوطار للشوكاني ج 4 ص 89).
النهي عن اتخاذ القبور مساجد:
وممّا ورد في النهي عن اتخاذها مساجد قول ابن عباس ـ رضي الله عنهما: “لعن رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلم ـ زَوّاراتِ القبور والمُتَّخِذين عليها المساجدَ والسُّرُجَ”، رواه أبو داود والترمذي وحسنه، قال القرطبي: قال علماؤنا: هذا يُحرِّم على المسلمين أن يتّخذوا قبور الأنبياء والعلماء مساجد، وروى الأئمة عن أبي مَرثد الغَنويّ أنه قال: سمعتُ رسول الله ـ ﷺ ـ يقول: “لا تصلُّوا على القُبور ولا تجلِسُوا عليها”.
النهي عن الدفن في المساجد:
ومن احتياطات العلماء لعدم الصلاة على المقابر أنّهم نَهَوا عن الدّفن في المساجد أو عمل مسجد على القبر، قال
النووي في شرح المهذب ص 316 ما نصّه: اتفقت نصوص الشافعيّ والأصحاب على كَراهة بناء مسجد على القبر ،سواء أكان الميت مشهورًا بالصلاح أو غيره، لعموم الأحاديث، قال الشافعي والأصحاب: تُكرَه الصّلاة إلى القبور، سواءٌ كان الميِّت صالحًا أو غيرَه، قال الحافظ أبو موسى: قال الإمام الزعفراني رحمه الله: ولا يُصلَّى إلى قبر ولا عندَه تبرُّكًا ولا إعظامًا، للأحاديثِ.
وأفتى ابن تيمية بأنه لا يجوز دفن ميِّت في مسجد، فإن كان المسجد قبل الدَّفن غُيِّر إما بتسويةِ القبر، وإمّا بنبشِه إن كان جديدًا، وقال: لا يجتمع في دين الإسلام مَسجدٌ وقَبرٌ، بل أيُّهما طرأ على الآخر منع منه وكان الحكم للسّابق، كما نقله عنه ابن القيِّم في زاد المعاد (فتوى الشيخ عبد المجيد سليم سنة 1940م ـ الفتاوى الإسلامية ج 2 ص 650).
حكم الصّلاة في المسجد الذي فيه قبر:
الرسول
ﷺ نهى عن الصلاة عند القبور ولعن اليهود والنصارى باتخاذهم المساجد على القبور، قال عليه الصلاة والسلام: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، قالت
عائشة رضي الله عنها: يحذر ما صنعوا خرجه البخاري ومسلم في الصحيحين، وقال عليه الصلاة والسلام: ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك خرجه مسلم في صحيحه عن جندب بن عبد الله البجلي ، وفي الصحيحين: عن أم سلمة وأم حبيبة رضي الله تعالى عنهما أنهما ذكرتا للنبي
ﷺ كنيسة رأتاها في أرض الحبشة وما فيها من الصور، فقال النبي
ﷺ: أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله فأخبر أنهم بهذا العمل هم شرار الخلق بكونهم يبنون على قبور الصالحين مساجد ويصورون صورهم عليها، هذا من عمل شرار الخلق.
فإذا كان القبر في مكان مُنعزَل عن المسجد أي لا يُصلّى فيه ، فالصلاة في المسجد الذي يجاوِره صحيحةٌ ولا حرمة ولا كراهة فيها، أما إذا كان القبر في داخل المسجد، فإن الصّلاة باطلة ومحرّمة .