الصلاة في المسجد الذي يضم قبرا يختلف حكمها باختلاف القصد:

-فإن كانت بنية تعظيم القبر وتقديسه، فهذه باطلة لا خلاف في ذلك، وفاعل هذا يرتكب حراما، وقد ينتهي به الأمر إلى الشرك، وهو جاهل لهذا الصنيع، ومن يفعل هذا فعليه أن يصحح عقيدته، ويعلم أن الضار والنافع هو الله لا غيره.

أما إذا خلت من التقديس والتعظيم وكانت هذه القبور في غير اتجاه القبلة ولا تحدث حولها بدع ومنكرات، فلا بأس من الصلاة فيها على أساس أن تتم المحاولة في المستقبل نقل هذه القبور دون حدوث ضرر أكبر أو فتنة أشد.

أما عن حكم الصلاة في المسجد الذي فيه قبر، فإذا كان القبر في مكان منعزل عن المسجد أي لا يصلى فيه، فالصلاة في المسجد الذي يجاوره صحيحة ولا حرمة ولا كراهة فيها، أما إذا كان القبر في داخل المسجد، فإن الصلاة باطلة ومحرمة على مذهب أحمد بن حنبل، جائزة وصحيحة عند الأئمة الثلاثة، غاية الأمر أنهم قالوا: يكره أن يكون القبر أمام المصلى، لما فيه من التشبه بالصلاة إليه، لكن إذا قصد بالصلاة أمام القبر تقديسه واحترامه كان ذلك حرامًا، وربما أدى إلى الشرك، فليكن القبر خلفه أو عن يمينه أو عن يساره.

وإذا كانت الأضرحة في جهة القبلة فلا تجوز الصلاة في هذا المسجد بتاتا؛ لأن الصلاة عندئذٍ تكون للأضرحة لا للقبلة، أما إذا كانت الأضرحة في الخلف أو على اليمين أو الشمال؛ بحيث لا تتوسط بين المصلي والقبلة، فلا حرج في الصلاة في هذا المسجد ما لم يكن في الحي مساجد أخرى قريبة؛ فعندئذٍ تكون الصلاة فيها أفضل من الصلاة في مسجد يحتوي على الأضرحة والقبور.

وعلينا أن نقوم بالنصيحة الواجبة للذين يدورون حول الأضرحة، ويدعون معتقدين فيها البركة؛ ونبين لهم أن عملهم هذا من الشرك؛ لأن الله يقول: “وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ” (سورة البقرة : 186). وقد أكد هذا القرب حين نفى واسطة الرسول في الآية؛ إذ لم يقل: “فقل لهم إني قريب”، بل قال مباشرة فإني قريب؛ ليدل على أنه لا واسطة بينه وبين عباده المتوسلين إليه.

وإن شرك المشركين في مكة كان شرك واسطة؛ لأنهم كانوا مقرين بوجود الله، وبأنه الخالق، وكانوا يقولون عن الأصنام “مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ” (سورة الزمر :3).
وان أولئك الأموات لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا… فكيف يملكون لغيرهم ضرا أو نفعا؟ ومنه الوساطة بقبول الدعاء، وكيف وقد شبعوا موتا حتى صاروا عظاما ورفاتا؟ إن الاعتقاد في بركتهم لون من الشرك الظاهر المحبط للأعمال كلها “لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ“(سورة الزمر : 65).

يقول الشيخ ابن باز -رحمه الله تعالى-: الواجب نبش القبر وإخراج الرفات ودفنه في المقبرة العامة، هذا إذا كان الميت دفن في المسجد بعد بناء المسجد، فإنه ينبش القبر ويؤخذ الرفات ويوضع في المقابر العامة، كسائر القبور، ولا يجوز دفن الموتى في المساجد؛ لأن الرسول قال: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وأخبر أن اليهود والنصارى إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور. قال: أولئك شرار الخلق عند الله فالواجب إذا كان هناك مسجد وضع فيه قبر يجب إخراج رفات القبر ووضعها في قبر خاص في المقبرة العامة حتى يزول وحتى لا يوجد في المساجد شيء من القبور.
أما إذا كان القبر هو القديم وبني المسجد على القبر، فإنه يهدم المسجد ويلتمسون مسجدًا آخر بأن يبنى لهم مسجد في محل آخر ولا يبنون في المحل هذا، يبنون مسجدهم في محل آخر، أرض الله واسعة، الرسول نهى أن يبنى على القبر، وأن يصلى عليه وأن يجصص وأن يقعد عليه.