خلاصة ما يفهم من الأحاديث النبوية أنه يجوز الكلام على الطعام، فلا هو حرام ، ولا هو مستحب، ولكن الأولى ألا يتكلم والطعام في فمه، لما قد يكون في ذلك من ضرر صحي.
أما دليل جواز الحديث على الطعام، فحديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنه – حين سأل الرسول – صلى الله عليه و سلم- عن الأدم، فقالوا : ما عندنا إلا خل ، فدعا به ، فجعل يأكل منه و يقول : (نعم الأدم الخل).
وقد صح عنه صلى الله عليه و سلم أنه كان يتحدث إلى أصحابه و هو يأكل على المائدة في أكثر من مرة.
و مما يستدل به على مشروعية الكلام على الطعام ما ورد من الحديث المتفق عليه ، فيما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا مع النبي - ﷺ - في دعوة فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه فنهس منها نهسة ، وقال : أنا سيد القوم يوم القيامة هل تدرون بم يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد فيبصرهم الناظر ويسمعهم الداعي وتدنو منهم الشمس.” ، فقد تكلم النبي ﷺ على الطعام، فدل هذا على الجواز.
وقد ورد في مسائل ابن هانئ أنه قال: “تعشيت مرة أنا وأبو عبد الله – يعني الإمام أحمد– وقرابة له ، فجعلنا نتكلم وهو يأكل وجعل يمسح عند كل لقمة يده بالمنديل ، وجعل يقول عند كل لقمة : الحمد لله وبسم الله ، ثم قال لي: أكل وحمد خير من أكل وصمت.
ويستدل للجواز بما قاله أبو حامد الغزالي – رحمه الله -: إن السكوت على الطعام من فعل الأعاجم.
وقد حفظ عن الفقهاء أنه يذكرون يذكرون من آداب الطعام الكلام عليه ومؤانسة الضيف بحسن الحديث وكراهة سيئه.
كما نص ابن القيم – رحمه الله – على استحباب الحديث على الطعام؛ مخالفة لليهود، فإنما لم يكونوا يتحدثون على الطعام .
وقد ظن بعض الناس أن الكلام على الطعام سنة بخلاف ما يشاع عند العامة من أنه لا كلام على طعام، فقد استدل من ظن أنه سنة بحديث ” تكلموا على الطعام ولو بأثمان أسلحتكم ” !! ، فإنه حديث لا يصح، لم يخرجه أحد ممن يعتد به من أهل الحديث، وقد سئل الإمام الألباني – رحمه الله عن هذا الحديث ، فقال ممازحا: هذا حديث أردني، أي لم يسمع به إلا في الأردن.
فلا يحتج بهذا الحديث على الاستحباب، فيبقى الحكم على الجواز.
أما قول العامة: ” لا كلام على الطعام”، فإنه لا يصح، لما ورد من الأحاديث الصحيحة من جواز الكلام على الطعام.
غير أن هذا مشروط بألا يكون هناك ضرر من الكلام، وقد ذكر بعض الأطباء من أن الكلام والطعام في الفم قد يسبب بعض الأذى كالريح وغيره، فيمكن القول بأن الحكم الشرعي للكلام على الطعام ليس واجبا،يعني لو لم يتكلم الإنسان على الطعام لما كان آثما، كما أنه الجمع بين القول بالجواز وبين ما قد يسببه الكلام من أذى، وهو ألا يتكلم الإنسان والطعام في فمه، ولكن يجوز له الحديث على الطعام بغير هذه الهيئة المضرة.