يقول القُشَيْرى المُتَوَفَّى بِمَدِينة نِيسَابُور يوم الأحد من ربيع الآخر سنة خمس وستين وأربعمائة من الهجرة في رسالته في التصوُّف: اليقين هو العِلْم الذِي لا يَتَدَاخَلُ صاحبَه ريبٌ على مُطْلَق العُرْفِ، ولا يُطْلق في وَصْف الحق سبحانه، لعدم التوقيف، فعِلْم اليَقِينِ هُوَ اليَقِين، وكذلك عين اليقين نفْس اليَقين، وحقُّ اليَقِين نفْس اليقين.
فعِلْمُ اليَقِين على مُوجَب اصْطَلاحِهم ما كان بشرط البُرْهان.وعين اليقين ما كان بحُكم البيان ـ أي بطريق الكشف ـ وحقُّ اليقين ما كان بنعْت العِيَان. فعِلْم اليقين لأرباب العقول، وعينُ اليقين لأصحاب العلوم، وحقُّ اليَقين لأصحاب المعارف ” 74″
والشيخ زكريا الأنصاري في شرحه للرسالة يقول: هذه الألفاظ عبارات عن علوم جليَّة مع تفاوتها في القوة، بِنَاءً على أنَّ اليقين مقول على أفراده بالتَّشكيك والثلاثة مذكورة في القرآن، قال تعالى: (لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) (سورة التكاثر:5) وقال: (لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ) (سورة التكاثر:7)، وقال: (إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) (سورة الواقعة:95).
وذكر القُرطبي في تفسيره “ج17 ص 234” لسُورة الوَاقعة أنَّ مَعْنى حقِّ اليَقِين محْض وخالصه، وجاز إضافة الحق إلى اليقين وهما واحد لاختلاف لفظهما، قال المُبرِّد: هو كَقَوْلِكَ عَيْن اليقين ومحْض اليقين فهو من باب إضافة الشيء إلى نفسه عند الكوفيين، وعند البصريين حق الأمر اليقين أو الخَبَر اليقين، وقيل: هم تَوْكِيد، وقيل: أصْل اليَقِين أنْ يَكون نَعْتًا للحَق، فأُضيف المَنْعوت إلى النَّعْت على الاتِّساع والمجاز كقوله: (ولدار الآخرة).
وذَكر في تَفسير سورة التكاثر “ج20 ص 174” أنَّ عِلْم اليَقين بالنَّار يكون في الدُّنْيا عن طريق العَقْل والقلب، وعَين اليقين يكون في الآخرة عند المُعَاينة بِعَيْن الرأس والمشاهدة فيراها يَقينًا لا تَغيب عن عَينه.