يجب على المعتدة المتوفى عنها زوجها أن تعتد في بيتها أربعة أشهر وعشرا، وتمنع من الزينة، ولا يجوز لأحد أن يصرح بخطبتها، لكن لا بأس بالتعريض، أما المعتدة من طلاق فلا يجوز لأحد أن يعرض بخطبتها لأنها لا تزال زوجة، ولا يحرم عليها الزينة ، بل يستحب تزينها، لإغراء زوجها بالرجوع.

‏أولا : مكان العدة والخروج منه :

يقول فضيلة الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر ـ رحمه الله ـ في كتابه أحسن الكلام في الفتوى والأحكام:

المتوفّى عنها زوجها تعتد في بيت زوجها، ولا تتركه إلا لعذر مقبول، وذلك على رأي الجمهور .
وأجاز لها البعض الخِيار في أن تعتد في أي مكان تشاء، ولها أن تخرج نهارًا لكسب عيشها .

وأما المطلّقة طَلاقًا رجعيًّا فتعتد في بيت مُطلِّقها وتَبيت فيه ليلاً، وأما خروجها نهارًا لحاجة ففيه خلاف .
وأما المطلقة طَلاقًا بائنًا فتعتدُّ في بيت مطلقها أيضا ، ولا تتركه إلا لعذر، وقيل يجوز لها أن تعتَدَّ في غيره، كما في حديث فاطمة بنت قيس، ولها الخروج نهارًا للحاجة .

يقول فضيلة الشيخ العلامة  الدكتور يوسف القرضاوي:
يلزم المتوفى عنها زوجها أن تلزم بيتها الذي مات زوجها وهي فيه، لا تغادره طوال أشهر العدة . كما روت فريعة بنت مالك أخت أبي سعيد الخدري: أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته أن زوجها خرج في طلب أعبد (عبيد) له، فقتلوه بطرف القدوم . فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي، فإن زوجي لم يتركني في مسكن أملكه ولا نفقة فقال: ” امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله . فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرًا ” (رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح). ولأن بقاءها في بيتها أليق بحالة الحداد الواجبة عليها، وأسكن لأنفس أهل الزوج المتوفى، وأبعد عن الشبهات .

لكن يجوز لها أن تغادره لحاجة، مثل العلاج، أو شراء الأشياء اللازمة إذا لم يكن لها من يشتريها، أو الذهاب إلى عملها الملتزمة به، كالمدرسة والطبيبة والممرضة وغيرهن من النساء العاملات .
وإذا خرجت لحاجتها نهارًا . فليس لها الخروج من منزلها ليلاً . وقد جاء عن مجاهد قال: ” استشهد رجال يوم أحد، فجاء نساؤهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلن: يا رسول الله، إنا نستوحش بالليل، أفنبيت عند إحدانا، حتى إذا أصبحنا بادرنا إلى بيوتنا ؟ فقال: تحدثن عند إحداكن ما بدا لكن، فإذا أردتن النوم، فلتؤب كل امرأة إلى بيتها “.

ولأن الخروج ليلاً مظنة للريبة والتهمة فلم يجز إلا لضرورة . وليس لها الخروج للصلاة في المسجد، أو السفر لحج أو عمرة أو غير ذلك، لأن الحج لا يفوت والعدة تفوت لأنها موقوتة بزمن .

ثانيا :حكم الخطبة :
يجوز للمتوفى عنها زوجها التعريض بخطبتها من غير تصريح لها بالخطبة ، وهكذا حكم المطلقة المبتوتةـ المطلقة ثلاثا ـ يجوز التعريض لها كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم – لفاطمة بنت قيس حين طلقها زوجها أبو عمرو بن حفص آخر ثلات تطليقات فأمرها أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم وقال لها ” فإذا حللت فآذنيني” ـ أخبريني ـ فلما حلت خطب عليها أسامة بن زيد مولاه فزوجها إياه .
فأما المطلقة غير المبتوتة – أي الرجعية – فلا خلاف في أنه لا يجوز لغير زوجها التصريح بخطبتها ولا التعريض لها .
‏ثالثا: الإحداد – أي ترك الزينة – :

ويقول الشيخ شلتوت شيخ الأزهر الأسبق  :-
الزوجة التي تُوفِّي عنها زوجها يجب عليها أن تعتدَّ، أي تَمكث بلا زواج حتى تضع حملها إن كانت حاملاً، أو يمرَّ عليها أربعة أشهر وعشرة أيام إن كانت غير حامل، كما جاء في قوله تعالى ( والَّذين يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أزْواجًا يَتَرَبَّصْنَ بأنفُسِهِنَّ أرْبَعَةَ أشْهرٍ وَعَشْرًا ) ( سورة البقرة : 234 )، وقوله ( وأولَاتُ الأَحْمَالِ أجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) ( سورة الطَّلاقِ : 4 ) .

ويحْرُم عليها أثناء العدة أمور تتنافى مع الحزن والأسف لفراق الزوج، والوفاة لحق الحياة الزوجية، والمساعدة على عدم طمع أحد في زواجها حتى تنتهي عدتها .

فيحْرُم عليها التَّزَيُّن بأية زينة تتنافى مع هذه الحكمة .
فالطِّيب بجميع أنواعه حرام، وكذلك زينة بدَنِها من خِضَابٍ ومَسَاحِيق وكُحْل وما إلى ذلك، وقد نص النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على النهي عن الخِضَاب، للتنبيه على ما شاكله أو كان أعظم منه منافاة لمقصود الإحداد، وكل ذلك ممنوع ليلاً ونهارًا .
لكن لو احتيج لشيء من ذلك على سبيل التداوي فلا مانع منه، ويرخَص فيه بقدر الضرورة، ولا تكتحل ولا تمس طِيبًا إلا إذا طهرت ـ أي من الحيض ـ في نبذة من قسط أو أظفار ” وهذا القول هو ما عليه جمهور الفقهاء، كمالك وأبي حنيفة وأحمد والشافعي وغيرهم . ويقاس عليه كل ما لم يقصد به الزينة كالقطرة السائلة والجافة والأصباغ الطبية التي توضع على الجروح وغيرها، ولا تمنع المحدة من تقليم الأظفار، وإزالة الشعر المندوب إزالته وكل ما يقصد به النظافة لا الزينة .

وكذلك يحْرُم على المُحِدة لبس الثياب التي يُقصد منها الزينة أيًّا كان لونها أو نوعها .
وكذلك يَحْرُم عليها لبس الحُلي بجميع أنواعه، فهو للزينة قطعًا، وقد صحَّ عن الصحابة نهيهم عن ذلك كابن عمر وابن عباس وأم سلمة وعائشة رضي الله عن الجميع .

وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية  :
أجمع العلماء على وجوب الإحداد في عدة الوفاة ، وقد أجمعوا أيضا على أنه لا إحداد على المطلقة رجعيا , بل يطلب منها أن تتعرض لمطلقها وتتزين له لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا . على أن للشافعي رأيا بأنه يستحب للمطلقة رجعيا الإحداد إذا لم ترج الرجعة .
وأما المعتدة من طلاق بائن بينونة صغرى أو كبرى ، فقد اختلف العلماء فيه على اتجاهين :

الأول : ذهب الحنفية والشافعي في قديمه , وهو إحدى الروايتين في مذهب أحمد , أن عليها الإحداد , لفوات نعمة النكاح . فهي تشبه من وجه من توفي عنها زوجها .

الثاني : ذهب المالكية والشافعي في جديده وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد ( وقيل في بعض الكتب إنها المذهب ) إلى أنه لا إحداد عليها ; لأن الزوج هو الذي فارقها نابذا لها , فلا يستحق أن تحد عليه . وإلى هذا ذهب جماعة من التابعين , منهم سعيد بن المسيب , وأبو ثور , وعطاء , وربيعة , ومالك , وابن المنذر . إلا أن الشافعي يرى في جديده أنه يستحب لها أن تحد .

رابعا : ‏العدة ومدتها :
يقول فضيلة الشيخ العلامة الدكتور يوسف القرضاوي:
يجب أن تتربص المتوفى عنها زوجها بنفسها ولا تتزوج مدة أربعة أشهر وعشرة أيام، إذا لم تكن حاملاً، فإن كانت حاملاً فعدتها وضع الحمل .
ويلاحظ أن مدة العدة هنا – في غير حالة الحمل – أطول قليلاً من عدة المطلقة (وهي ثلاث حيض أو ثلاثة أشهر) . وذلك لأن الزوج يترك وراءه من مشاعر الأسى والحزن في نفس الزوجة، وفي أنفس أهله وأقربائه ما لا يتركه الطلاق .