سئل الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي هذا السؤال في برنامج فقه الحياة، الذي أذيع على قناة أنا في رمضان 1430هـ ، الموافق لسنة 2009م، فأجاب :
الواقع أن الفتاوى الشاذة في تراثنا الفقهي محدودة، وربما السبب في ذلك أنه إذا أفتى مفتٍ في بلده لا يعرف الناس في البلاد الأخرى هذه الفتوى الشاذة، لكن مشكلة عصرنا أن الفتوى الشاذة تشيع في الآفاق بسرعة، ولم أجد فتوى وصفوها بالشذوذ إلا فتوى الفقيه المالكي المعروف يحيى بن يحيى الليثي، الذي كان إمامًا في الأندلس، وحينما سأله أحد الأمراء أنه واقعَ جاريته في نهار رمضان، فما الكفارة التي يكفر بها عن هذه المعصية؟ أفتاه بأن عليه أن يصوم شهرين متتابعين، دون أن يقول له: يمكن أن تعتق رقبة أوأن تطعم ستين مسكينًا، فالمعروف أن الكفارة هنا فيها رأيان: رأي يلزم بالترتيب، وهو عتق رقبة، فإن لم تجد فصم شهرين متتابعين، فإذا لم تستطع فأطعم ستين مسكينًا، وهذا رأي الجمهور.
أما الإمام مالك فإنه يخيره بين واحد من هذه الثلاثة، لكن الليثي لم يلزمه في أول الأمر بعتق الرقبة، وكان مقصده في هذا أنه يريد أن يُرجع الأمير عن الإفطار في رمضان،وقال : إن هذا الأمير لو قلت له أعتق رقبة فما أسهل عليه أن يعتق رقبة ،ويستطيع كل يوم أن يواقع جاريته أو امرأته ويعتق ثلاثين رقبة في الشهر، إلا أنه بذلك خالف النص وأخطأ المصلحة التي يظن أنه راعاها؛ لأنه غفل عن مصلحة مهمة وهي مصلحة تحرير الرقاب، فأن يعتق هذا الأمير ثلاثين رقبة في الشهر، فهذا ليس أمرًا هينًا.
والإسلام اعتبر تحرير الرقبة في مقابلة القتل الخطأ،فأنت قتلت نفسًا خطأً، فعليك أن تحيي نفسًا أخرى، وكيف تحيي نفسًا؟ بأنك تحرر رقبة، فتحرير الرقبة بمثابة إحياء للنفس، فهو لم ينتبه إلى هذه القضية، لذا اعتبره العلماء شاذًا.