الصّلاة عبادة بدنيّة مَحضة، لم يرِد نصٌّ خاصٌّ عن النبي ـ ﷺ ـ بجواز قضائها عن الميّت، والوارد هو عن بعض الصحابة ، فقد روى البخاري أن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أمرَ امرأة جعلت أمُّها على نفسها صلاةً بقباء ـ يعني ثم ماتتْ ـ فقال: صلِّي، عنها وروى ابن أبي شيبة بسند صحيح أن امرأة قالت لابن عباس ـ رضي الله عنهما: إن أمّها نذرت مشيًا إلى مسجد قباء أي للصلاة، فأفتى ابنتَها أن تمشيَ لها، وأخرجه مالك في الموطأ أيضًا.
والصلاة المُرادة هنا صلاة نَفل نُذِرَ أداؤها في قباء فوجبتْ ولَزَمتْ، ومن هنا رأى بعض العلماء جوازَ قضاء الصّلاة عن الميت، سواء أكانت مفروضة أصلًا أم منذورة. لكنّ الجمهور قال بعدم جواز قضاء المفروضة. نقل ابن بطّال الإجماع على ذلك، ومع عدم التسليم بهذا الإجماع، فإن الجمهور ردّ استدلال القول المُجيز للقضاء بأنّ النَّقْل عن ابن عمر وابن عباس مختلِف: فقد جاء في موطأ مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر كان يقول: لا يصلِّي أحدٌ عن أحد، ولا يصوم أحدٌ عن أحد، وأخرج النسائي عن ابن عباس مثل ذلك القول. ولكن لعل المنع في حقِّ غير المنذورة .
وقال الحافظ: يمكن الجمع بين النَّقْلَين بجعل جواز القضاء في حقِّ مَن مات وجعْل النّفيِ في حقِّ الحي (نيل الأوطار ج 9 ص 155) وبهذا يُعلم أنّ ما يعمله بعضُ الناس ممّا يسمَّى بإسقاط الصلاة عن الميت غيرُ مشروع، والواقع أن الله ـ سبحانه ـ وتعالى جعل أداء الصّلاة من اليُسر بحيث تصحُّ بأيّة كيفيّة من الكيفيّات عند العجز، حتى أنّه لم يُسقِطْها عن المجاهد، وهو في ساحة القتال أثناء المعركة، وعن المُقيَّد بالأغلال، واكتفى بما يُستطاع ولو بالإيماء.
فقول الجمهور بعدم جواز قضائها عن الميت هو المُختار للفتوى، ولا يصحُّ غيره، حتّى لا يكون هناك تهاوُن بعمود الدين .
أما حكم الصّلاة للميِّت فقد جاء في رواية الدارقطني “أن من البِرِّ بعد الموت أن تصلِّيَ لهما ـ للوالدين ـ مع صلاتِك ـ وأن تصومَ لهما مع صيامِك” وذلك في النّوافل المُهداة لا في الفُروض من حيث القضاء .
والله تعالى أعلم.