الشرط الجزائي يجوز في جميع العقود المالية ما عدا العقود التي يكون الالتزام الأصلي فيها دَيناً، فإن هذا من الربا الصريح، وعلى هذا فلا يجوز الشرط الجزائي في البيع بالتقسيط بسبب تأخر المدين عن سداد الأقساط المتبقية سواء كان بسبب الإعسار أو المماطلة، ولا يجوز الشرط الجزائي عن التأخير في تسليم المسلم فيه؛ لأنه عبارة عن دين.
يقول فضيلة الدكتور حسام عفانه – أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:
الشرط الجزائي نوعين:
-منه ما يكون في العقود التي تتضمن أعمالاً كعقود المقاولة والتوريد وعقد الاستصناع بالنسبة للصانع إذا لم ينفّذ ما التزم به أو تأخر في تنفيذه.
-ومنه ما يكون في العقود التي تتضمن التزاماً مالياً في الذمة.
وقد اتفق الفقهاء المعاصرون على جواز النوع الأول من الشروط الجزائية.
وأما النوع الثاني فهو محرم عند أكثر فقهاء العصر.
ويستدل على جواز النوع الأول من الشرط الجزائي بما رواه الإمام البخاري في صحيحه بسنده عن ابن سيرين أن رجلاً قال لكريِّه: (من يكري وسائل النقل) أدخل ركابك فإن لم أرحل معك يوم كذا وكذا فلك مائة درهم فلم يخرج، فقال شريح: من شرط على نفسه طائعاً ليس مكره فهو عليه.
ويدخل النوع الأول من الشرط الجزائي في عموم قول الرسول ﷺ: (المسلمون على شروطهم) رواه أصحاب السنن وهو حديث صحيح. وجاء في رواية أخرى: (المسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح، وكذلك الاعتماد على القول الصحيح من أن الأصل في الشروط الصحة، وأنه لا يحرم منها ويبطل إلا ما دل الشرع على تحريمه وإبطاله نصاً أو قياساً.
وأما النوع الثاني من الشروط الجزائية وهو ما كان مقرراً لتأخير الوفاء بالديون اللازمة في الذمة فهو محرم؛ لأنه عين الربا.
وقد قرر مجمع الفقه الإسلامي في دورته الرابعة عشرة في الفترة من 8 إلى 13 ذو القعدة 1423هـ، الموافق 11 ـ 16 كانون الثاني 2003 ما يتعلق بالديون المتأخرة وسدادها:
أ ـ بخصوص الشرط الجزائي في العقود: يؤكد المجلس قراراته السابقة بالنسبة للشرط الجزائي الواردة في قراره في السَّلم رقم 85 (2/9) ونصه: «لا يجوز الشرط الجزائي عن التأخير في تسليم المسلم فيه؛ لأنه عبارة عن دين، ولا يجوز اشتراط الزيادة في الديون عند التأخير »، وقراره في الشرط الجزائي رقم 109 (4/12) ونصه: «يجوز أن يكون الشرط الجزائي في جميع العقود المالية ما عدا العقود التي يكون الالتزام الأصلي فيها دَيناً، فإن هذا من الربا الصريح، وبناء على هذا لا يجوز الشرط الجزائي ـ مثلاً ـ في البيع بالتقسيط بسبب تأخر المدين عن سداد الأقساط المتبقية سواء كان بسبب الإعسار أو المماطلة، ولا يجوز في عقد الاستصناع بالنسبة للمستصنع إذا تأخر في أداء ما عليه».
ب ـ يؤكد المجمع على قراره السابق في موضوع البيع بالتقسيط رقم 51 (2/6) في فقراته الآتية:
ثالثا: إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق أو بدون شرط لأن ذلك ربا محرم.
رابعا: يحرم على المدين المليء أن يماطل في أداء ما حلَّ من الأقساط، ومع ذلك لا يجوز شرعاً اشتراط التعويض في حالة التأخر عن الأداء.].
وبناءً على ما سبق فإن الشرط الجزائي لا يدخل في باب الديون مطلقاً فلذا لا يجوز أن يدخل الشرط الجزائي في بيع التقسيط في حالة تأخر المشتري عن السداد وكذلك لا يدخل في عقد الإجارة إذا تأخر المستأجر في دفع الأجرة وكذلك لا يدخل في عقد القرض إذا تأخر المقترض في سداد القرض.
قال ابن المنذر: [أجمعوا على أن المسلِف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية فأسلف على ذلك، إن أخذ الزيادة ربا].
وجاء في قرار مجلس المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة ما يلي:
[ نظر المجمع الفقهي في موضوع السؤال التالي، إذا تأخر المدين عن سداد الدين في المدة المحددة، فهل للبنك الحق أن يفرض على المدين غرامة مالية، جزائية بنسبة معينة بسبب التأخر عن السداد في الموعد المحدد بينهما؟
الجواب: وبعد البحث والدراسة، قرر المجمع الفقهي بالإجماع ما يلي: إن الدائن إذا شرط على المدين أو فرض عليه أن يدفع له مبلغاً من المال غرامة مالية جزائية محددة أو بنسبة معينة، إذا تأخر عن السداد في الموعد المحدد بينهما، فهو شرط أو فرض باطل، ولا يجب الوفاء به، ولا يحل سواءً أكان الشارط هو المصرف أو غيره، لأن هذا بعينه هو ربا الجاهلية الذي نزل القرآن بتحريمه].
ويجب أن يعلم أنه يحرم على الغني أن يماطل فيما وجب عليه من حقوق، كالدين مثلاً، وكذلك من وجد أداءً لحق عليه وإن كان فقيراً تحرم عليه المماطلة، وقد ثبت في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله ﷺ:( مطل الغني ظلم ) رواه البخاري ومسلم.
قال الحافظ ابن حجر: [ والمراد هنا تأخير ما استحق أداؤه بغير عذر، والغني مختلف في تعريفه ولكن المراد به هنا من قدر على الأداء فأخره ولو كان فقيراً ] فتح الباري 5/371. وأما إذا كان المدين معسراً فإن الله سبحانه وتعالى طلب إنظاره إلى ميسرة، كما قال تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ } سورة البقرة الآية 280.