قال الشاعر:

ثمانية لا بد منها للفتـــى            ولا بد أن تجري عليه الثمانية

سرور وهم واجتماع وفرقة          وعسر ويسر ثم سقم وعافية

وقد كانت سلوى الناس في مصابهم أن ذكرهم الدعاة والعلماء بشهداء الإسلام، وأنهم داخلون برحمة الله في عداد الشهداء، والذين قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: “الشهداء خمسة المطعون والمبطون والغرق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله” رواه البخاري.

ولكن الفاجعة الكبرى أن يخرج علينا من الناس من يدعي الفهم، ليذبحوا المصابين بمصيبتهم ، ليقولوا: إن هذا الذي حدث كان بسبب ذنوبهم.

والذي خلق فسوى، وقدر فهدى: لقد أساء هؤلاء القول، ونرى أنهم إن تعمدوا ذلك القول فقد باعوا دينهم لا بدنياهم ولكن بدنيا غيرهم، فضلوا وأضلوا.

والذي نراه في مثل هذه الأحداث ما يلي:

أولا: الابتلاء سنة لا تتخلف: 

فليس على ظهر الأرض من بشر إلا وقد قدر الله له نصيبا من الابتلاء، قد يكون للبعض بالمنع، وللآخرين بالعطاء، قد يكون بالخير، كما يكون بالشر، وقد قال تعالى: (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)(الأنبياء: 35).

ثانيا: اختلاف الناس عند البلاء:

فقد يكون البلاء للبعض رفعة وخيرا أو تكفيرا لذنوبه.

كما في قوله صلى الله عليه وسلم فقال: “من يرد الله به خيرا يصب منه” متفق عليه،

وقال أيضا: “إذا أحب الله قوما ابتلاهم فمن صبر فله الصبر ومن جزع فله الجزع” رواه أحمد.

وفي رواية:” إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط”  رواه ابن ماجه والترمذي.

وقال أيضا: “يقول ما أصاب رجلا من المسلمين نكبة فما فوقها حتى ذكر الشوكة إلا لإحدى خصلتين إما ليغفر الله له من الذنوب ذنبا لم يكن ليغفره له إلا بمثل ذلك أو يبلغ به من الكرامة كرامة لم يكن ليبلغها إلا بمثل ذلك” رواه ابن أبي الدنيا.

وأوضح من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: “إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة فلم يبلغها بعمل ابتلاه الله في جسده أو ماله أو في ولده ثم صبر على ذلك حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله عز و جل”  رواه أحمد.

ثالثا: قتلى الزلازل والسيول والكوارث وأمثالهم شهداء:

وهذا ما جاءت به الأحاديث الصحيحة كما في الحديث المتقدم :” الشهداء خمسة المطعون والمبطون والغرق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله” رواه البخاري.

رابعا: لهذه الأحداث حكم وأسرار:

إذ أن هذه الأحداث التي تضرب الناس هنا أو هناك، لا تخرج عن كونها قدر من أقدار الله، لا تحدث إلا بقدر ولا تكون إلا لحكمة، ومن حكم هذه الأحداث أن الله سبحانه يريد أن يعطي الإنسان درسا ويظهر له ضعفه وعجزه وجهله، فإن الإنسان مهما أوتي من العلم لن يستطيع أن ينفذ في كون الله إلا بسلطان: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} الرحمن: 33.

ومن حكم الله كذلك أن السيول والأعاصير والزلازل وغيرها من الكوارث تصيب الفقير كما تصيب الغني، وتحل بالضعيف كما تحل بالقوي، ولقد رأيناها تضرب عدة دول كبيرة وصغيرة غنية وفقيرة، ووقف الجميع مكتوفي اليد ، وهنا تتجلى قدرة الله وضعف البشر، وأنهم مهما أوتوا من علم فلن يخرجوا عن قدر الله.

خامسا: متى يكون البلاء عقوبة؟

ونرى أن البلاء لا يكون عقوبة إلا إذا توفر فيه أمران:

الأول: أن يكون على غير عادة، كما في الإعصار الذي ضرب أندونيسيا (تسونامي).

الثاني: أن يكون في مكان ما ويخص فئة دون فئة، أو أشياء دون أشياء، كأن تنجو منه دور العبادة، كما حدث في إعصار (تسونامي) الشهير، وكما نجا الله لوطا وأهله م قومه.

نسأل الله أن يتقبل الموتى في الصالحين، وأن يغفر لنا ولهم اللهم آمين.

والله تعالى أعلم.