يقرر الإسلام الدفاع عن النفس، ورد العدوان عن البلاد والعباد، ومن يقتل في سبيل ذلك فهو شهيد، وهذا واجب كل مسلم سواء كان حاكما أو محكوما.
ويقرر القانون الدولي أن حل المنازعات يكون بالطرق السلمية، ويستثني حق الدفاع الشرعي عن النفس أو الدولة في حال الاعتداء، أو التهديد الحال ، ولا يجوز أن تتذرع دولة برد عدوان لم يحدث، أو يتوهم حدوثه وتعتدي على الآخرين.
يقول فضيلة الشيخ الدكتور القرضاوي:
الأصل أن الجهاد فرض كفاية على المسلمين إذا كان الكفار في ديارهم ونحن في ديارنا لم يحتلوا لنا أرضاً ولم يعتدوا على موقع لنا أو حق لنا (وما كان المؤمنون لينفروا كافة).
إنما يكون فرض عين إذا دخل العدو أرضاً من أرض الإسلام هناك يجب على أهل هذا البلد أن ينفروا كافة لمقاومة الاحتلال وقد قال الفقهاء في هذه الحالة (حالة النفير العامة) تخرج المرأة بغير إذن زوجها، والولد بغير إذن وليه، والولد بغير إذن سيده والخادم بغير إذن مخدومه، لأن هذا حق الأمة العامة، وإذا لم يكف دفاع أهل البلد إذاً على من يليهم ثم من يليهم وهكذا حتى تصل الأمة كافة، وعلى المسلمين في أنحاء الأرض أن يعاونوهم بما يمكنهم.
تفسير قوله تعالى فَمَنِ اعْتَدَى عليكمْ فاعْتَدُوا عليهِ بمِثْلِ ما اعْتَدَى عليْكُمْ
يقول فضيلة الشيخ أحمد الشرباصي الأستاذ بجامعة الأزهر رحمه الله:
وهذه الآية تُفيد أن ردَّ العدوان يكون بمثل ما حَدَثَ به العدوان من أسلحة وآلات؛ لأننا لا نستطيع أن نُحطِّم العدوان الباغي إلا بعقوبة مماثلة له حتَّى تَرْدَعُه وتسحقه؛ ولذلك قال بعض المفسرين إن العدو الذي يقاتلنا بالمدافع والقذائف النارية أو الغازية السامَّة يَجب أن يُقاتَل بمثلها ما دام مُصِرًّا على استعمالها، وإلا لم تتحقَّق الحكمة الشرعية من القتال وهي منع الظلم وسَحْقِ العدوان، والبادي أظلم وعلى الباغي تدور الدوائر.أ.هـ
ولقد دعا مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف العرب والمسلمين في كل أنحاء العالم أن يكونوا على استعداد للدفاع عن أنفسهم وعن عقيدتهم، وأن يعتصموا بحبل الله جميعًا ولا يتفرقوا، ويكونوا فوق ما يحيطهم من خلافات حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولا.
حكم رد الاعتداء بصفة عامة
يقول الدكتور محمد بكر إسماعيل الأستاذ بجامعة الأزهر:
من المعلوم من كتب الفقه والحديث أنه إذا اعتدَى معتدٍ على شخص يريد أن يقتلَه، أو يأخذَ مالَه، أو يهتكَ عِرْضَه وجب عليه أن يدافعَ عن نفسه وماله وعِرْضه بما استطاع من قوة.. فإن لم يندفع إلا بالقتل قتله، ولا قِصاص عليه ولا دِيَة ولا إثم لأنه مُعْتدٍ ظالم، قال تعالى: (ولَمَن انْتَصَرَ بعدَ ظُلْمِه فأولئكَ ما عليهم مِن سبيلٍ إنما السبيلُ . على الذينَ يَظْلِمون الناسَ ويَبْغُونَ في الأرضِ بغيرِ الحقِّ أولئكَ لهم عذابٌ أليم) (الشورى: 41) .
وروى البخاريّ أن رسول الله ـ ﷺ ـ قال: “من قُتِلَ دون ماله فهو شهيد، ومن قُتِلَ دون عِرْضِه فهو شهيد. أ.هـ
ويقول أيضا في الدفاع عن الغير:
كما يجب أن يدافع الإنسان عن نفسه وماله وعِرْضه يجب عليه كذلك الدفاع عن غيره إذا تَعَرَّض للقتل، أو أخْذِ المال، أو هَتْكِ العِرْض، ولكن بشرط أن يأمن على نفسه من الهلاك؛ لأن الدفاع عن الغير من باب دفع المنكر من أجل المحافظة على الحقوق الخاصة والعامة، يقول الرسول ﷺ: “مَن رأى منكم منكَرًا فليغيِّرْه بيده، فإن لم يستطعْ فبلسانه، فإن لم يستطعْ فبقلبه، وذلك أضعفُ الإيمان”. رواه أحمد وغيره.أ.هـ
مشروعية الدفاع الشرعي عن النفس والأرض
يقول الأستاذ الدكتور أحمد أبو الوفا أستاذ القانون الدولي بكلية الحقوق جامعة القاهرة:
ورد في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تبيح فكرة الدفاع الشرعي منها:
-قوله تعالى: “فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ” (البقرة: 194).
-وقوله تعالى:”وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ” (الشورى: 39-40).
-وقوله تعالى:” وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا” (الشعراء: 227)، وقوله تعالى:”وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” (آل عمران: 104).
-وقوله تعالى:”وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ” (البقرة: 190).
-وقوله تعالى:”أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ” (التوبة: 13).
-وقوله تعالى:”أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ” (الحج: 39- 40).
-وقوله تعالى:”وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ” (الحجرات: 9).
من ذلك يتضح أن القرآن قرر مشروعية الدفاع الشرعي بجميع أنواعه سواء كان الاعتداء على حق فردي تحميه الشريعة (دفع الصائل)، أو الدفاع الشرعي الدولي والمتمثل في إمكانية رد العدوان عند وقوعه من جانب دولة أخرى غير مسلمة أو من جانب إحدى الطوائف الإسلامية.
شروط الدفاع الشرعي عن الأرض أو النفس أو العرض
من المعلوم أن ممارسة الدفاع الشرعي في أي نظام قانوني تحكمه عدة شروط تتعلق بالاعتداء وأعمال الدفاع، وهو ما نذكره بخصوص الدفاع الشرعي الدولي في الإسلام:
أولا: الاعتداء:
يشترط –بداهة- لممارسة أعمال الدفاع الشرعي وقوع اعتداء من دولة غير مسلمة على الدولة المسلمة وتحديد متى يتحقق الاعتداء من الأمور الصعبة على أية حال يشترط في الاعتداء أمران:
1- أن يكون العدوان مسلحا: ويتمثل ذلك أساسا في استخدام القوة العسكرية بطريقة غير مشروعة.
2- أن يكون العدوان قائما وحالا: لقوله تعالى: “وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ” (البقرة: 190)، وعلى هذا فإذا انتهى الاعتداء فلا يجوز التذرع بالدفاع الشرعي للتمادي في القتال؛ لأننا سنكون حينئذ أمام أعمال تأديبية أو انتقامية أو عدوان جديد من جانبنا، وذلك لقوله تعالى: ” فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً”(النساء: 90).
ثانيا: الدفاع:
إذا توافرت الشروط السابقة في العدوان حُقَّ للدولة الإسلامية أن تلجأ إلى أعمال الدفاع لرد العدوان ودحر المعتدي. ذلك أنه ليس معنى أن الإسلام دين سلام أن يقف مكتوفي الأيدي حتى في حالة الاعتداء؛ لأن حق الدفاع الشرعي من الحقوق الأولية المقررة لأي كائن قانوني.
ويُشترط في أعمال الدفاع شرطان:
1- شرط اللزوم: وذلك بأن تكون أفعال الدفاع لازمة لرد العدوان.
2- شرط التناسب: وذلك بأن تكون أعمال الدفاع متناسبة مع أعمال العدوان مصداقا لقوله تعالى ” فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ” (البقرة: 194).
هذه هي أهم شروط الدفاع الشرعي-في الشريعة الإسلامية- وهي أيضا ذات الشروط المقررة في القانون الدولي المعاصر، ويتضح منها أن الإسلام أباح حق الدفاع الشرعي بجانبيه الفردي والجماعي، إذا توافر شرطاه: وقوع عدوان، والرد المناسب عليه
ولعل خير من عبَّر عن ذلك الإمام الفراء في معاني القرآن، حيث يقول:
“فإن قال قائل: أرأيت قوله (فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ) أعدوان هو وقد أباحه الله لهم؟ قلنا: ليس بعدوان في المعنى، إنما هو لفظ على مثل ما سبق قبله، ألا ترى أنه قال: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) فالعدوان من المشركين في اللفظ ظلم في المعنى، والعدوان الذي أباحه الله وأمر به المسلمين إنما هو قصاص، فلا يكون القصاص ظلما، وإن كان لفظه واحدا. ومثله قول الله تبارك وتعالى: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا)، وليست من الله على مثل معناها من المسيء؛ لأنها جزاء”.
الدفاع الشرعي في القانون الدولي
يقول الأستاذ الدكتور أحمد أبو الوفا أستاذ القانون الدولي بكلية الحقوق جامعة القاهرة: يعد الدفاع الشرعي أحد الاستثناءات “المشروعة” على مبدأ حظر استخدام القوة كوسيلة لحل المنازعات الدولية. وقد أكد على ذلك ممارسات الدول، وقواعد القانون الدولي والمواثيق المنشئة للمنظمات الدولية.
فعلى سبيل المثال نص ميثاق الأمم المتحدة على أنه ليس فيه ما يضعف أو ينقص من الحق الطبيعي للدول فرادى أو مجتمعين، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلام والأمن الدولي.
ويتمثل الدفاع الشرعي في الرد عن طرق استخدام القوة على أي اعتداء حال وقائم من جانب الغير، وذلك لوقف العدوان وردعه، ويدفعنا ذلك إلى تساؤل عما إذا كان يمكن ممارسة الدفاع الشرعي للرد على مخالفات للقانون الدولي (حقيقة أو وهمية) ترتكبها دولة ما دون أن تصل إلى حد العدوان المسلح؟.
اختلف الفقه الدولي إلى اتجاهين أساسين، فيذهب البعض إلى القول بأن التذرع بالدفاع الشرعي بوصفه مبررا، خارج نطاق الحالة التي تتعرض فيها الدولة لعدوان مسلح، هو أمر مرفوض تماما استنادا إلى صريح نص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة وما يقابلها من قواعد القانون الدولي العرفي.
بينما يقرر آخرون أن نص الميثاق لا ينم مطلقا عن الرغبة في قصر اللجوء إلى الدفاع الشرعي على حالة “تعرض الدولة لعدوان مسلح”.
ونحن نعتقد أن الدفاع الشرعي يجب قصره على حالة العدوان الحال والمهدد للدولة، وأنه لا يجوز التذرع به ضد عدوان لم يبدأ بعد (فكرة الدفاع الشرعي الوقائي أو المانع) رغبة في تلافي إساءة استخدامه، واللجوء إليه لتحقيق أغراض توسعية، أو لتغطية سياسة من سياسات القوة.
وقد نص دليل “سان ريمو” بشأن القانون الدولي المطبق خلال النزاعات المسلحة في البحار على ضرورة مراعاة مبدأ الضرورة ومبدأ التناسب للرد على الهجوم الواقع أو صده.أ.هـ