يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي :
المشهور من المذاهب المتداولة فيمن تسحر يظن نفسه في الليل ثم تبين أن سحوره أو جزء منه كان بعد الفجر أو أفطر يظن الشمس غربت ثم تبين أنها طالعة. أن صوم هذا أو ذاك قد بطل، وعليه إمساك بقية يومه، ولا إثم عليه، إذ كان مخطئًا لا متعمدًا، وعليه قضاء يوم مكان يوم .
ولكن أبا محمد بن حزم يرى أن الصوم صحيح في الحالين، لأنه لم يتعمد إبطال صومه، حيث ظن أنه في غير صيام، فهو والناسي سواء، كلاهما ظن أنه في غير صيام، ولا فرق، قال تعالى: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) وقال الرسول عليه الصلاة والسلام: “إن الله تجاوز لأمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه”.
قال: وهذا قول جمهور السلف، وروى بسنده: أن الناس أفطروا في زمن عمر بن الخطاب، وأخرجت القداح من بيت حفصة فشربوا ثم طلعت الشمس من سحاب، فكأن ذلك شق على الناس فقالوا: نقضي هذا اليوم، فقال عمر: ولم؟ والله ما تجانفنا لإثم !!
وعن مجاهد قال: من أكل بعد طلوع الفجر وهو يظن أنه لم يطلع فليس عليه قضاء، لأن الله تعالى يقول: (وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ) البقرة 187 .
وروى مثل ذلك عن الحكم بن عتيبة، والحسن البصري، وجابر بن زيد، وعطاء بن رباح وعروة بن الزبير، وهو قول داود الظاهري .
ودليل ابن حزم قوي واضح، وإن كان أقوى وأنصع بالنسبة لمن تسحر بعد الفجر، إذ القرآن أباح المباشرة والأكل والشرب حتى يتبين الفجر للمكلف، ومن تسحر يظن أنه في الليل لم يتبين له الفجر قطعا .
ولذلك على الصائم أن يتحرى ويجتهد وسعه، وخاصة لمعرفة غروب الشمس ودخول الليل، فإذا اطمأن إلى مغيبها وأفطر، ثم تبين أنها لم تزل فما نظن الحرج إلا مرفوعا عنه حينئذ، قال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن 16 . ولذا قال عمر: والله ما تجانفنا لإثم، ونظير هذا إذا تحرى في التوجه إلى القبلة ثم تبين أنه صلى إلى جهة أخرى فصلاته صحيحة مقبولة (فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ) 115 سورة البقرة .
والله أعلم.