يقول الشيخ عطية صقر – رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا :ـ
الغرائز ليست شُعبة من الإيمان، وإنما هي قُوى تدعو للإيمان والكفر والطاعة والعصيان، والدين جاء ليُهذِّبها ويوجِّهها إلى الدعوة إلى الإيمان والطاعة.
ثم مَن قال: إنَّ الحياء كلَّه غريزة؟ فمن الحياء خُلُق مكتسب أساسه البعد عما يَضُر النفس والغير، وهذا البعد فيه جهاد للنفس بغرائزها التي تريد لها كلَّ ما تريد، بصرف النظر عن كونه حلالًا أو حرامًا.
فالقناعة بالحلال وعدم التطلُّع إلى الحرام من صفات الأخيار الأبرار، التي جاءت بها الأديان وساعد عليها الإيمان بالحساب أمام الله على ما قدمت يد الإنسان.
جاء في شرح النووى لصحيح مسلم “ج2ص5” بعد ذكر روايات الحديث التي منها: الحياء من الإيمان، الحياء لا يأتي إلا بخير، الحياء خير كله ـ أن القشيري نقل عن الجنيد أنه قال: الحياء رؤيا الآلاء ـ النعم ـ ورؤية التَّقْصير، فيتولَّد بيْنهما حالة تُسمَّى الحياء. وقال القاضي عِيَاض وغيره: إنما جُعِل الحياء من الإيمان ـ وإن كان غريزة ـ لأنه قد يكون تخلُّقًا واكْتسابًا كسائر أعمال البر، وقد يكون غريزة ولكنَّ استعمالَه على قانون الشَّرْع يَحتاج إلى اكتساب ونيَّة وعلْم، فهو من الإيمان بهذا وبكَوْنه باعثًا على أفعال البر ومانعًا من المعاصي.
وأما كون الحياء خيرًا كله ولا يأتي إلا بخير فقد يُشْكِل على بعض الناس، من حيث إن صاحب الحياء قد يَستحي أن يُواجِه بالحق مَن يُجلُّه فيترك أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وقد يَحمله الحياء على الإخلال ببعض الحقوق وغير ذلك مما هو معروف في العادة، وجواب هذا أن هذا المانع ليس بحياء حقيقة، بل هو عجْز وخَوَرٌ ومَهَانة، وتَسميته حياءً من إطلاق أهل العُرْف، أطلقوه مجازًا لمشابهته الحياء الحقيقي، وإنما حقيقة الحياء خُلُقٌ يبعث على ترْك القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق ونحو هذا.
هذا وقد روى البخاري أن النبي ـ ﷺ ـ قال: “إنَّ مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت”، والمعنى إذا لم يَخَفِ الإنسانُ من الله ولا من الناس صار كالبهائم يصنع ما يشاء، وليس هذا إغراءً، ولكنه بيان للواقع المذْموم.
والله تعالى أعلم