حج بيت الله الحرام هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وهو واجب مرة واحدة في العمر على كل مسلم بالغ عاقل إذا استطاع إليه سبيلا، أي إذا كانت له القدرة المادية والصحية على أداء هذه الفريضة.
الحج مفروض على المستطيع كما قال الله تعالى وكما قال النبي ـ ﷺ ـ وهو واجب في العمر كله مرة واحدة بإجماع العلماء، ولحديث البخاري ومسلم وغيرهما أن النبي ـ ﷺ ـ لما أمر الناس بالحج سُئل أفي كل عام ؟ فقال: “لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم “.
هل يجب الحج على الفور أم على التراخي إذا توفرت أسباب الاستطاعة:
هل إذا توافَرَت أسباب الاستطاعة وجب على الفور أداء الحج أو يجوز تأجيله إلى عام آخر؟
قال جمهور العلماء: الوجوب على الفور، ويأثم مَن أخَّره إلى عام آخر، بحيث إذا مات حُوسِبَ عليه إن لم يَغْفِرِ اللَّهُ له، ودليلُهم في ذلك حديث أحمد وابن ماجة والبيهقي: “مَن أراد الحج فليُعَجِّل فإنه قد يَمْرض المريض وتَضِلُّ الراحلة وتكون الحاجة”، وفي رواية: “تعجَّلوا الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له”
لكن الإمام الشافعي قال: إن وجوب الحج على التراخي، بمعنى أنه لو أخره مع الاستطاعة لا يأثم بالتأخير متى أداه قبل الوفاة ودليله أن الرسول ـ ﷺ ـ أخَّر الحج إلى السنة العاشرة وكان معه أزواجه وكثير من أصحابه، مع أنه فُرض في السنة السادسة من الهجرة، فلو كان واجبًا على الفور ما أخره.
وقال الشافعي: ومع ذلك فالأفضل التعجيل بناءً على الأحاديث المذكورة التي حَمَلَها على الندب لا على الوجوب، ويُضم إليها حديث رواه ابن حبان في صحيحه والبيهقي، أن النبي ـ ﷺ ـ قال: “يقول الله عز وجل: إن عبدًا صَحَّحْتُ له جسمه ووَسَّعْتُ عليه في المعيشة تَمْضي عليه خمسة أعوام لا يفد إليَّ لمحروم.
وعندما قال الله تعالى: (وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) قال بعد ذلك: ( ومَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) قال الحسن البصري: المراد بالكفر هو الترك أو عدم الحج.
كالحديث الذي رواه مسلم وينص على أن مَن ترك الصلاة فهو كافر، لكن ابن عباس ومعه المُحقِّقون من العلماء قالوا: إن الكفر لا يكون إلا بإنكار الفريضة وجحود أن الحج واجب، لكنْ لو آمن الإنسان بأنه مفروض وواجب ولكنه تكاسل في الأداء فهو ليس بكافر بل هو مؤمن عاصٍ، لو لم يحُجَّ مع الاستطاعة يُحاسبه الله بعد موته ويُدْخله النار إن لم يغفر له، ويكون مصيره النهائي هو الجنة، ويُحمل على هذا حديث: “مَن ملك زادًا وراحلة تُبلِّغه إلى بيت الله ولم يحُجَّ فلا عليه أن يموت يهوديًا أو نصرانيًا” رواه الترمذي وقال حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وروى مثلَه البيهقيُّ، فالحديث لا يدل قطعًا على الكفر، ولئن صح فالمراد به الجاحد المنكر، ويُحمل على الترغيب في التعجيل فقط.