استعرض مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي عقود الإذعان ، التي منها هذه العقود ، وقرر التالي :
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته الرابعة عشرة بالدوحة (دولة قطر ) في الفترة من 8 إلى 13 ذو القعدة 1423 هـ الموافق 11-16 كانون الثاني ( يناير ) 2003 م .
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع ( عقود الإذعان) وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله
قرر ما يلي :
1ـ عقود الإذعان مصطلح قانوني غربي حديث لاتفاقيات تحكمها الخصائص والشروط الآتية :
أ ـ تعلق العقد بسلع أو منافع يحتاج إليها الناس كافة ولا غنى لهم عنها كالماء والكهرباء والغاز والهاتف والبريد والنقل العام …إلخ .
ب ـ احتكار – أي : سيطرة – الموجب لتلك السلع أو المنافع أو المرافق احتكارا قانونيا أو فعليا ، أو على الأقل سيطرته عليها بشكل يجعل المنافسة فيها محدودة النطاق .
ج ـ انفراد الطرف الموجب بوضع تفاصيل العقد وشروطه دون أن يكون للطرف الآخر حق في مناقشتها أو إلغاء شيء منها أو تعديله .
د ـ صدور الإيجاب ( العرض ) موجها إلى الجمهور ، موحدا في تفاصيله وشروطه وعلى نحو مستمر .
2ـ يبرم عقد الإذعان بتلاقي وارتباط الإيجاب والقبول الحكميين ( التقديريين ) وهما كل ما يدل عرفا على تراضي طرفيه وتوافق إرادتيهما على إنشائه ، وفقا للشروط والتفاصيل التي يعرضها الموجب ، من غير اشتراط لفظ أو كتابة أو شكل محدد .
3ـ نظرا لاحتمال تحكم الطرف المسيطر في الأسعار والشروط التي يمليها في عقود الإذعان ، وتعسفه الذي يفضي إلى الإضرار بعموم الناس ، فإنه يجب شرعا خضوع جميع عقود الإذعان لرقابة الدولة ابتداء ( أي قبل طرحها للتعامل بها مع الناس ) من أجل إقرار ما هو عادل منها ، وتعديل أو إلغاء ما فيه ظلم بالطرف المذعن ، وفقا لما تقضي به العدالة شرعا .
4 ـ تنقسم عقود الإذعان في النظر الفقهي إلى قسمين :
أحدهما : ما كان الثمن فيه عادلا ، ولم تتضمن شروطه ظلما بالطرف المذعن ، فهو صحيح شرعا ، ملزم لطرفيه، وليس للدولة أو للقضاء حق التدخل في شأنه بأي إلغاء أو تعديل ، لانتفاء الموجب الشرعي لذلك ، إذ الطرف المسيطر للسلعة أو المنفعة باذل لها ، غير ممتنع عن بيعها لطالبها بالثمن الواجب عليه شرعا ، وهو عوض المثل ( أو مع غبن يسير ، باعتباره معفوا عنه شرعا ، لعسر التحرز عنه في عقود المعاوضات المالية ، وتعارف الناس على التسامح فيه ) ولأن مبايعة المضطر ببدل عادل صحيحة باتفاق أهل العلم .
والثاني : ما انطوى على ظلم بالطرف المذعن ، لأن الثمن فيه غير عادل ( أي : فيه غبن فاحش ) أو تضمن شروطا تعسفية ضارة به ، فهذا يجب تدخل الدولة في شأنه ابتداء ( قبل طرحه للتعامل به ) وذلك بالتسعير الجبري العادل ، الذي يدفع الظلم والضرر عن الناس المضطرين إلى تلك السلعة أو المنفعة بتخفيض السعر المتغالى فيه إلى ثمن المثل ، أو بإلغاء أو تعديل الشروط الجائرة ، بما يحقق العدل بين طرفيه ، استنادا إلى :
أ ـ أنه يجب على الدولة ( ولي الأمر ) شرعا دفع ضرر احتكار فرد أو شركة سلعة أو منفعة ضرورية لعامة الناس، عند امتناعه عن بيعها لهم بالثمن العادل ( عوض المثل ) بالتسعير الجبري العادل ، الذي يكفل رعاية الحقين : حق الناس بدفع الضرر عنهم الناشئ عن تعدي المحتكر في الأسعار أو الشروط ، وحق المحتكر بإعطائه البدل العادل .
ب ـ أن في هذا التسعير تقديما للمصلحة العامة ـ وهي مصلحة المضطرين إلى السلع أو المنافع في أن يشتروها بالثمن العادل ـ على المصلحة الخاصة وهي مصلحة المحتكر الظالم بامتناعه عن بيعها لهم إلا بربح فاحش أو شروط جائرة ، إذ من الثابت المقرر في القواعد الفقهية أن : المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة . وأنه يتحمل الضرر الخاص لمنع الضرر العام .
يفرق في الوكالات الحصرية للاستيراد بين ثلاث حالات :
الأولى : أن لا يكون هناك ضرورة أو حاجة عامة أو خاصة بفئة من الناس إلى المنتج الذي تتعلق به الوكالة الحصرية ، نظرا لكونه من السلع أو المنافع الترفيهية التي يمكن الاستغناء عنها ، أو كان هناك ضرورة أو حاجة غير متعينة إليه ، لوجود مثيل أو بديل له متوفر في السوق بسعر عادل ، فإن من حق الوكيل المستورد أن يبيعه بالثمن الذي يتراضى مع المشتري عليه ، وليس للدولة أو للقضاء حق التدخل بالتسعير عليه فيه ، إذ الأصل في صحة العقود التراضي ، وموجبها ما أوجبه العاقدان على أنفسهما به ، ولأن اختصاص صاحب الوكالة بالمنتج واحتكاره له (بالمعنى اللغوي للاحتكار ) جائز شرعا ، حيث إن من حقه بيع ما يملك بالثمن الذي يرضى به ، ولا يتضمن ظلما أو إضرارا بعامة الناس ، ولا يجوز التسعير عليه فيه .
والثانية : أن يكون هناك ضرورة أو حاجة عامة أو خاصة متعينة بمتعلق الوكالة الحصرية ، وأن يكون الوكيل باذلا له بثمن عادل ، لا يتضمن غبنا فاحشا أو تحكما ظالما ، وعندئذ فلا يجوز تدخل الدولة بالتسعير عليه ، لأن اختصاصه واحتكاره المنتج تصرف مشروع في ملكه ، لا ظلم فيه لأحد ، ولا إضرار بالناس المحتاجين إليه ، فلا يتعرض له فيه .
والثالثة : أن يكون هناك ضرورة أو حاجة عامة أو خاصة متعينة بمتعلق الوكالة الحصرية ، والوكيل ممتنع عن بيعه إلا بغبن فاحش أو بشروط جائرة . ففي هذه الحال يجب على الدولة أن تتدخل لرفع الظلم عن المحتاجين إليه بطريق التسعير الجبري على الوكيل .