يرخص للمريض جمع الصلوات المكتوبة في وقت إحداهما تقديما أو تأخيرا ، الظهر والعصر أو المغرب والعشاء ، لأنه إذا جاز الجمع بين الصلاتين لأجل السفر جاز الجمع بينهما للمرض أيضًا ؛ لتوافر المشقة في كل منهما .
يقول الأستاذ الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن:
اعتلال بدن الإنسان أحدُ الأسباب التي ناط الشارع بها الرُّخَصَ في العبادات ، ومن هذه الرُّخَصَ التي تَرفُقُ بالمريض رخصةُ الجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما تأخيرًا أو تقديمًا، ولهذا ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز جمع المريض بين الصلاتين تقديمًا أو تأخيرًا في وقت إحداهما على سبيل التخيير ، كالمسافر ، فيفعل أرفقهما به ، وقد رُوي هذا عن ابن عباس ، وقال به عطاء ، وكان ابن سيرين لا يرى بأسًا بالجمع بين الصلاتين للحاجة إذا لم يَتَّخذ ذلك عادة له.
ويرى المالكية أن المَبْطُونَ ـ الذي لا يَضبط استطلاقَ بطنه ـ ونحوَه من كل مَن تَلحَقه مشقةٌ بالوضوء ، أو بالقيام لكل صلاة ، إذا كانت لا تَلحَقه إذا صلاهما مجتمعتَين ـ فله أن يجمع بين الظهر والعصر في وسط وقت الظهر ، وبين المغرب والعشاء في وقت المغرب ، وكذلك إذا خاف الشخص إغماءً أو حمًّى أو نحوَ ذلك عند العصر أو العشاء ، فإن له أن يقدم العصر في أول وقت الظهر ، والعشاء في أول وقت المغرب على المشهور في المذهب .
والجمع بيت الصلاتين في وقت إحداهما تقديمًا أو تأخيرًا هو مذهب بعض الشافعية ، وقالوا: يُستحب أن يراعيَ المريضُ في ذلك ما يكون أرفَقَ به ؛ فإن كان يثقُل عليه المرض في وقت الأولى أخَّرها إلى الثانية ، وإن كان يثقُل عليه في وقت الثانية قدَّمها إلى الأولى ، وإلى هذا ذهب الحنابلة وبعض الزيدية .
ومن المعلوم أن الصلاتين اللتان يجمع بينهما هما: الظهر والعصر، ثم المغرب العشاء.
وحجة هؤلاء على جواز الجمع بين الصلاتين للمرض ما رُوي عن ابن عباس قال: جمع رسول الله ـ ﷺ ـ بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر. وفي رواية: من غير خوف ولا سفر.
قال ابن قدامة: أجمع الفقهاء على أن الجمع لا يجوز لغير عذر، فثبت أن جَمْعَ رسول الله ـ ﷺ ـ وهو مقيم بالمدينة على هذا النحو كان بعذر المرض، ورُوي عن النبي ـ ﷺ ـ أنه أمَر سَهلة بنت سُهيل وحَمْنة بنت جحش، لمّا كانتَا مستَحاضَتَين بتأخير الظهر وتعجيل العصر والجمع بينهما بغسل واحد ، فتُصلِّيانِهما معًا ، وكذلك المغرب والعشاء ، والاستحاضة مرض كما هو معلوم .
ورُوي عن ابن عباس أنه جمع بين الصلاتين بعذر المرض ، فأنكر عليه رجل من بني تميم فقال له ابن عباس : أتعلِّمني السُّنَّة لا أُمَّ لك ، فذكر أن رسول الله ـ ﷺ ـ فعله ، قال ابن شَقيق : فحاك في صدري من ذلك شيء ، فأتيت أبا هريرة عن ذلك ، فصدَّق مقالة ابن عباس ، ولأنه إذا جاز الجمع بين الصلاتين لأجل السفر جاز الجمع بينهما للمرض أيضًا ؛ لتوافر المشقة في كل منهما ، بل إن المشقة أظهر في حال المريض عنه في حال المسافر ، لأن المشقة على المريض في إفراد أداء كل صلاة في وقتها أشدُّ منها على المسافر ، فكان أولَى من المسافر في الترخص بالجمع بين الصلاتين .