يقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله-:
في المسألة تفصيل , فإقامة الجمعة والجماعة في المساجد من شعائر الإسلام , إذا تركها أهل بلد وَجَبَ إلزامُهم بها، قال الفقهاء : ولو بالقتال..والعلوم منها ما هو فريضةٌ , ومنها ما هو فضيلةٌ , ولا بُدَّ لأهل كل بلد منها .
فإذا وجد في بلد مسجد لإقامة الشعائر أو أكثر عند الحاجة فَبِناء المدارس والوقف عليها في ذلك البلد أفضلُ لا محالةَ , بل لا فَضْلَ في بناء مسجد لا حاجة إليه ؛ لأن مِن أغراض الشريعة جعْل المساجد على قدْرِ الحاجة لِمَا في كثرتها من تفرّق المسلمين , وإذا أمكن اجتماع أهل البلد في مسجدٍ واحدٍ فهو أفضلُ من تفرقهم في مسجدين أو أكثر , بل ذهب الإمام الشافعي إلى وُجُوبِ أداءِ الجُمُعَة في مسجدٍ واحدٍ إنْ أمْكَنَ .
وإذا وجد في بلد مدارس للتعليم , ولم يوجد فيها مسجد لإقامة الجمعة والجماعة , فلا شَكَّ أن بناء المسجد يكون حينئذٍ أفضل ؛ لتوقف إقامة الشعائر عليه .
وإنما تأتي المفاضلة في بلد لا مسجدَ فيه ولا مدرسةَ , ويحتاج أهلُه إليهما معًا وحينئذ يظهر أنه يجب الابتداء بالمسجدِ , ويمكن أن يُصلى فيه , ويُعلم ما لا بُدَّ منه حتى يتيسرَ بِناء مكان للتعليم خاصّ به .
وقد تبين مما تقدم أن بناء المدارس أفضلُ في البلاد التي فيها مساجدُ تُقامُ فيها الشعائرُ , وأكثر أمصار المسلمين كذلك فبناء المساجد فيها مع عدم الحاجة إليها مضادٌّ لمقصد الشريعة , وهو لا يكون إلا عن رياء أو جهل .