هذه النوافل جائزة، ولكن تحديد ركعات لدرء الفتن، أو للحاجة على الدوام واللزوم مما لم يرد به توقيف من الشارع، ولذلك فهي أدخل في البدع منها في السنن المشروعة.
والمشروع أن تصلى السنن الراتبة وغيرها، ويدعو الله بما يشاء في الصلوات، فيصلي أربعا قبل الظهر ناويا بهما السنة الراتبة، وبعد الظهر أربعا كما كان عديه ﷺ، وقبل العصر أربعا، ففي الحديث : “رحم الله امرءا صلى قبل العصر أربعا”، وقبل المغرب ركعتين، وبعده اثنتين، وقبل العشاء اثنتين، وبعد العشاء صل ما شئت حتى الفجر، وبعد أذان الفجر وقبل صلاة الصبح ركعتي الفجر، وصل وقت الضحى ما شئت من عدد.
وأما عن صلاة قضاء الحاجة، فقد ثبت أن رسول الله -ﷺ- قال : من توضأ فأسْبَغَ الوضوء ثم صلَّى ركعتين يُتمهما أعطاه الله ما سأل مُعْجِلاً أو مُؤخرًا”، فكل من صلى ركعتين بعد إسباغ الوضوء، وأتمهما وخشع فيهما لله، و دعا الله سبحانه وتعالى، وكان أهلا لأن يجيب الله دعاءه استجاب الله دعاءه.
وقد علم النبي ﷺ أحد الصحابة دعاء مخصوصا ليرد الله عليه بصره، وهناك أحاديث تكلمت عن أدعية معينة وعدد معين من الركعات لكنها لم تصل إلى مرتبة الصحة، ويجب أن نعلم أن العبرة ليست بأشكال معينة أو عدد معين من الصلوات، ولكن العبرة أن يكون المسلم أهلا لإجابة الدعاء، وذلك يكون بالتزام الطاعة، وترك المعصية.
يقول الشيخ عطية صقر -رحمه الله تعالى:
قضاء الحاجة وبخاصة حاجة الدُّنيا له وسيلتان :
الأولى طاعة الله بفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه، فهي في حدِّ ذاتها إن قُبِلَتْ قضى الله بها ما يتمناه المؤمن من خير، قال تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبْ وَمَنْ يَتوَكَّل عَلَى اللهِ فهو حَسْبُه) [سورة الطلاق: 2،3] وقال : (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيينَّه حياةً طيبةً) [سورة النحل: 97] وقال : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّماءِ وَالأرْضِ) [سورة الأعراف : 96]
وفي الحديث: “ومن يَسَّر على مُعْسِرٍ يَسَّرَ الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما دام العبد في عَوْنِ أخيه”. (رواه مسلم إلى غير ذلك من النصوص).
والوسيلة الثانية هي الدعاء بشروطه وآدابه التي من أهمها الخشوع والإخلاص والبُعد عن الحرام، قال تعالى : (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [سورة غافر: 60].
وقال (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَني فِإنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَة َالدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) [سورة البقرة : 156] وفي الحديث القدسي : “يا عبادي كلُّكم جائع إلا من أطعمتُه فاستطعموني أُطْعِمْكُمْ، يا عبادي كلُّكم عارٍ إلا من كَسَوْته فاستكسوني أكْسكم. (رواه مسلم).
وهناك حديث الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة وهم في الغار، فدعوا ربهم بصالح أعمالهم فنجَّاهم الله، وهاتان الوسيلتان مؤكدتان لا خلاف فيهما.
والدُّعاء لا بد أن يكون بتضرُّع وحضور ذِهن، فقَبول الصّلاة والدُّعاء وترتُّب آثارهما مُرتبط بذلك. قال تعالى بعد ذكر أيُّوب وذي النّون وزكريا ودعائِهم الذي استجاب الله لهم : (إنَّهُمْ كَانُوا يُسارِعونَ فِي الخَيْرَات ويَدْعونَنَا رَغَبًا ورَهَبًا وكَانُوا لَنَا خَاشِعِين) [سورة الأنبياء : 90]
والمُسارَعة في الخَيرات تستلزِم الطّاعة والحِرص عليها والتّسابق إليها، والبعد عن كل ما حرَّم الله، وبالتالي لا تُقبَل صلاةُ الاستخارة ولا دعاؤها من المُقصِّر في حقِّ الله، ولا يَعرفه إلا عندما يَحتاج إليه ليعرِّفَه المشروعَ الذي يُقدِم عليه إن كان خيراً أو شرًّا، ومن المقرّر أن اللُّقمة من الحرام في بطن الإنسان تمنَع قبول الدُّعاء، كما صحّ في حديث رواه مسلم.
وقد روى أحمد بسند صحيح أن النبي -ﷺ- قال : “من توضأ فأسْبَغَ الوضوء ثم صلَّى ركعتين يُتمهما أعطاه الله ما سأل مُعْجِلاً أو مُؤخرًا”.
والناظر في هذا الحديث يرى أن قضاء الحاجة وسيلته : عمل صالح وهو صلاة الركعتين ـ وكذلك الدعاء والسؤال، وأن قضاء الحاجة قد يكون مُعجلاً وقد يكون مُؤخرًا، فينبغي عدم التعجُّل، ففي الحديث : “يُستجاب لأحدكم ما لم يُعجل”. (رواه أحمد وأبو داود والترمذي).
وقد يصرف الله بالدعاء من السوء ما يكون خيرًا من الشيء الذي دعا به الداعي، كما رُوي في الحديث.
وهل هناك دعاء مخصوص لقضاء الحاجة؟
هناك حديث عثمان بن حنيف الذي رواه الترمذي وقال حسن صحيح، كما رواه ابن ماجه والنسائي وابن خزيمة في صحيحه، أن رجلاً أعمى طلب من النبي ـ ﷺ ـ أن يدعو له الله ليكشف له عن بصره، فعلَّمه أن يقول بعد الوضوء صلاة ركعتين “اللهمَّ إني أسألك وأتوجَّه إليك بنبيي محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه إلى ربي بك أن يكشف لي عن بصري، اللهمَّ شَفعه في وشفعني في نفسي” فرجع وقد كشف الله عن بصره.
وعلَّمه عثمان لرجل كانت له حاجة عند عثمان بن عفان ـ وذكر اسم حاجته حين الدعاء فقضى الله له حاجته.
وهناك دعاء آخر بعد صلاة الركعتين والثناء على الله والصلاة على رسوله وهو: “لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله ربِّ العرش العظيم الحمد لله رب العالمين. أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بِر والسلامة من كل إثم، لا تَدَعْ لي ذنبًا إلى غفرته يا أرحم الراحمين، ولا همًّا إلا فَرَّجته، ولا حاجة هي لك رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين”.
ومع أن هذا الدعاء طيب إلا أن نِسْبَته إلى النبي -ﷺ- فيها كلام، ويمكن الرجوع إلى أدعية أخرى في كتب الحديث، كالترغيب والترهيب للمنذري والأذكار للنووي.
ومن الخير أن نقدّم للدعاء بعمل صالح كصدقة، أو صلاة كما دعا أصحاب الغار ربَّهم بصالح أعمالهم ففرَّج عنهم، وقد صح عن النبي -ﷺ- أنه قال كما رواه أحمد : “مَن توضّأ فأسبغَ الوضوء، ثم صلّى ركعتين يُتِمُّهما أعطاه الله ما يسأل مُعجلاً أو مؤخّرًا”. وفي حديث عثمان ابن حنيف أنّ الرسول قال للأعمى الذي طلب منه أن يدعوَ الله ليكشف عن بصره : انطلق فتوضَّأ ثم صَلِّ ركعتين، وعلَّمه الدعاء الذي يدعو الله به.
وقد رُوِيَت أحاديث في كيفيّة صلاة الحاجة تتناقض مع الأحاديث الصحيحة، منها حديث ابن مسعود الذي جاء فيه صلاة ثتني عشرة ركعة، يقرأ في السجود فاتحة الكتاب سبع مرات وآية الكرسي سبع مرات، مع ذِكْر ودعاء، وقد جرَّب الناس هذه الصلاة فوجدوها حَقًّا.
والناظر في هذا الحديث يجِده مُتعارضًا مع النّهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، فقد روى مسلم وغيره أن النبي -ﷺ- قال : “ألا وإنِّي نُهِيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا، أما الركوع فعظِّموا فيه الربَّ، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقَمِنٌ -بفتح القاف وكسر الميم- أن يُستجابَ لكم” وروى مسلم وغيره أيضا عن علي -رضي الله عنه- قوله : نَهاني رسول الله -ﷺ- أن أقرأَ القرآنَ راكعًا أو ساجدًا.
يقول الشوكاني : هذا النّهي يدلُّ على تحريم قراءة القرآن في الركوع والسجود. وفي بُطلان الصلاة بذلك خِلاف.
وما دام الحديث الصحيح يَنهَى عن قراءة القرآن في الركوع والسجود فهو مُقدَّم على حديث صلاة الحاجة الذي تقدّم ذكره عن ابن مسعود، وقال الحاكم الذي رواه : تفرّد به عامر وهو ثقة مأمون، يقول الحافظ المنذري : أما عامر فهو النيسابوري قال شيخنا الحافظ أبو الحسن : كان صاحب مَناكِير، وقد تفرّد به عن عمر بن مهدي وحدَه فيما أعلم، والاعتماد في مثل هذا على التجربة لا على الإسناد.
بعد هذا ننصح بالتثبُّت مما يعبد الإنسان به ربّه، وعدم الجري وراء أي شيء أن فيه تحقيق رغبته، فالله لا يُعْبَد إلا بما شرع، ولا يطلب ما عنده إلا بما صح في القرآن والسنة، وهو كثير.