الترحم على النبي ﷺ إن كان في الصلاة : فإن كان في التشهد فهو مشروع ، حيث ورد فيه ( السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ) ، وإن كان في غير التشهد ، كالصلوات التي قبل السلام ؛ فلا يجوز عند الجمهور ، ويجوز عند بعض الفقهاء .
وأما الترحم في غير الصلاة فمنعه بعض الفقهاء مطلقا ، وأجازه البعض مطلقا ، وفصل البعض فأجازوه إن كان مقترنا بغيره كالصلاة عليه ﷺ ، ومنعوه إن كان منفردا ، وبهذا التفصيل أخذ جمهور المتأخرين من الفقهاء ، ورجحه القرطبي .
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية :
وأما الترحم على النبي ﷺ في الصلاة وخارجها ففيه خلاف وتفصيل على النحو الآتي :
أولا: – الترحم على النبي ﷺ وعلى آله في الصلاة :
هو إما أن يكون في التشهد أو خارجه . وقد ورد الترحم على الرسول ﷺ في التشهد ، وهو عبارة : ” السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته “.
أما الترحم على النبي ﷺ خارج التشهد ، فقد ذهب الحنفية ، وبعض المالكية ، وبعض الشافعية إلى استحباب زيادة : ” وارحم محمدا وآل محمد ” في الصلاة على النبي ﷺ في الصلاة . وعبارة كتاب الرسالة لابن أبي زيد القيرواني : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، وارحم محمدا وآل محمد ، كما صليت ورحمت وباركت على إبراهيم .
واستدلوا بحديث أبي هريرة : قال : قلنا : { يا رسول الله : قد علمنا كيف نسلم عليك ، فكيف نصلي عليك ؟ قال : قولوا : اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد ، كما جعلتها على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد } . قال الحافظ ابن حجر : فهذه الأحاديث – وإن كانت ضعيفة الأسانيد – إلا أنها يشد بعضها بعضا ، أقواها أولها ، ويدل مجموعها على أن للزيادة أصلا . وأيضا الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال .
وما عليه جمهور الفقهاء الاقتصار على صيغة الصلاة دون إضافة ( الترحم ) كما ورد في الروايات المشهورة في الصحيحين وغيرهما ، بل ذهب بعض الحنفية وأبو بكر بن العربي المالكي والنووي وغيرهم إلى أن زيادة ” وارحم محمدا . . . إلخ ” بدعة لا أصل لها ، وقد بالغ ابن العربي في إنكار ذلك وتخطئة ابن أبي زيد ، وتجهيل فاعله ، لأن النبي ﷺ علمنا كيفية الصلاة . فالزيادة على ذلك استقصار لقول النبي ﷺ واستدراك عليه .
وانتصر لهم بعض المتأخرين ممن جمع بين الفقه والحديث ، فقال : ولا يحتج بالأحاديث الواردة ، فإنها كلها واهية جدا . إذ لا يخلو سندها من كذاب أو متهم بالكذب . ويؤيده ما ذكره السبكي : أن محل العمل بالحديث الضعيف ما لم يشتد ضعفه .
ثانيا: – الترحم على النبي ﷺ خارج الصلاة :
اختلف الفقهاء في جواز الترحم على النبي ﷺ خارج الصلاة ، فذهب بعضهم إلى المنع مطلقا ووجهه بعض الحنفية : بأن الرحمة إنما تكون غالبا عن فعل يلام عليه ، ونحن أمرنا بتعظيمه ، وليس في الترحم ما يدل على التعظيم ، مثل الصلاة ، ولهذا يجوز أن يدعى بها لغير الأنبياء والملائكة عليهم السلام . أما هو ﷺ فمرحوم قطعا ، فيكون من باب تحصيل الحاصل ، وقد استغنينا عن هذه بالصلاة ، فلا حاجة إليها ؛ ولأنه يجل مقامه عن الدعاء بها . قال ابن دحية : ينبغي لمن ذكره ﷺ أن يصلي عليه ، ولا يجوز أن يترحم عليه ؛ لقوله تعالى : { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا } ونقل مثله عن ابن عبد البر ، والصيدلاني ، كما حكاه عنه الرافعي ولم يتعقبه . وصرح أبو زرعة ابن الحافظ العراقي في فتاواه ، بأن المنع أرجح لضعف الأحاديث التي استند إليها ، فيفهم من قوله : حرمته مطلقا .
وذهب بعض الفقهاء إلى الجواز مطلقا : أي ولو بدون انضمام صلاة أو سلام . واستدلوا بقول الأعرابي فيما رواه البخاري وهو قوله: { اللهم ارحمني ، وارحم محمدا ، ولا ترحم معنا أحدا لتقريره ﷺ على قوله: اللهم ارحمني وارحم محمدا ، ولم ينكر عليه سوى قوله : ولا ترحم معنا أحدا } .
وقال السرخسي: لا بأس بالترحم على النبي ﷺ ؛ لأن الأثر ورد به من طريق أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم ؛ ولأن أحدا وإن جل قدره لا يستغني عن رحمة الله ، كما روي عن النبي ﷺ أنه قال: { لن يدخل أحدا عمله الجنة ، قالوا: ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمـدني الله برحمته } . ولأن النبي ﷺ كان من أشوق العباد إلى مزيد رحمة الله تعالى ، ومعناها معنى الصلاة ، فلم يوجد ما يمنع ذلك . ولا ينافي الدعاء له بالرحمة أنه عليه الصلاة والسلام عين الرحمة بنص: { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } لأن حصول ذلك لا يمنع طلب الزيادة له ؛ إذ فضل الله لا يتناهى ، والكامل يقبل الكمال .
وفصل بعض المتأخرين ، فقال بالحرمة إن ذكرها استقلالا : كأن يقول المتكلم : قال النبي رحمه الله . وبالجواز إن ذكرها تبعا: أي مضمومة إلى الصلاة والسلام ، فيجوز : اللهم صل على محمد وارحم محمدا . ولا يجوز : ارحم محمدا ، بدون الصلاة ؛ لأنها وردت في الأحاديث التي وردت فيها على سبيل التبعية للصلاة والبركة ، ولم يرد ما يدل على وقوعها مفردة ، ورب شيء يجوز تبعا ، لا استقلالا . وبه أخذ جمع من العلماء ، بل نقل عن الجمهور ، وقال القرطبي : وهو الصحيح .